نحن بني البشر نحتاج أن نحسن اللجوء إلي الله سبحانه وتعالي ونحتاج أن نطهر قلوبنا له بالتوحيد , وجوارحنا له بالاستغفار , ونفوسنا له بالتزكية ، فعندما نقرأ قوله تعالى: (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) نقف قليلاً متأملين، مُقرين بحقيقة؛ مفادها بأننا نعتقد أن الله رحيم، جواد قادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهنا يبرز خلف هذا الاعتقاد سؤال جوهري، وهو إذا كان هذا اعتقادنا بالله، فلماذا لا نطلب منه المستحيل؟!
الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله بعباده لطيف خبير، ذلكم الله ربي؛ فما ظنكم برب العالمين؟! ما أروع حسن الظن بالله! حين يُوقن المؤمن أن بعد الكسر جبرًا، وأن بعد العسر يسرًا، وأن بعد التعب راحة، وبعد الدمع بسمة، وبعد المرض شفاء
حسن الظن بالله أنْ يوقنَ العبدُ بربّه -عز وجل- خيراً ورحمةً وإحساناً في كل ما يقعُ عليه من أفعالٍ وأقدارٍ في الدنيا والآخرة. ويعني اعتقاد ما يليق بالله -تعالى- من أسماء وصفات وأفعال، واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة، كاعتقاد أنّ الله -تعالى- يرحم عباده المستحقين، ويعفو عنهم إنْ هم تابوا وأنابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم، واعتقاد أنّ له -تعالى- الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه.
ذلكم الله ربي رحيم حليم، عظيم لطيف خبير، قهار خالق بارئ مصور، ملك قدوس سلام، مؤمن مهيمن عزيز، جبار متكبر، ينصر من نصره، ويغفر لمن استغفره، ويعز من قدره، يداول الأيام بين الناس فيبدل من بعد الخوف أمناً، ومن بعد الضعف قوة ويجعل من كل ضيق فرجاً ومن كل هم مخرجاً، ومع كل عسر يسراً، فما ظنكم برب العالمين؟!
لقد قدره حق قدره من عرف عظمته وقدرته وجلاله وقهره، فأحسنوا الظن به وأيقنوا أنه لن يخذلهم وسيجبر كسرهم، ويكشف ضرهم، ويرفع فقرهم ويدفع كربهم.. ذلكم هو صنع الله بمن أحسن به الظن، وأيقن أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله بعباده لطيف خبير، ذلكم الله ربي؛ فما ظنكم برب العالمين؟! أحسنوا الظن بربكم عند توبتكم، واعلموا أن الله يغفر الذنوب جميعًا، وأنه لا يتعاظمه ذنب؛ فتوبوا واستغفروا وأحسنوا الظن بمن وسع كل شيء رحمة وعلمًا
من ظن بالله خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله -جل جلاله- يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه. إذا دعوت فظن بالله خيرًا أنه سيستجيب دعاءك، وإذا أنفقت في سبيل الله فظن بالله خيرًا أنه سيُخلف عليك، وإذا تركت شيئًا لله فظن بالله خيرًا أنه سيعوضك خيرًا مما تركت، وإذا استغفرت فظن بالله خيرًا أنه سيغفر لك وسيبدل سيئاتك حسنات.
أحسنوا الظن بربكم بأنه لن يترك دينه ولن يخذل أولياءه وقد حكم بأن العاقبة للمتقين. حينما ترون غربة الإسلام ومحنة المسلمين واشتداد البلاء على الصالحين وارتفاع راية المفسدين، فلا تظنوا بالله إلا خيرًا وثقوا أن وعده لن يتخلف وسنته لن تتبدل ولتعلمن صدقها بعد حين، وستأتي الأنباء في حياتنا، أو في حياة من بعدنا بنصرة الإسلام وأهله، ومن ظن أن الله متخلٍ عن أوليائه، ولن ينصر دينه فقد ظن بالله ظن السوء، كيف وقد حكم (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)[النساء:141]، وما يقع من ابتلاءات ومحن وتضييق وشدائد فهي كما قال الله (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران: 140].
أحسنوا الظن بربكم فما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، وربنا كل يوم هو في شأن، ففي لحظة وبقول (كن) سيصبح المظلوم منصورًا، والظالم مقصومًا والغني فقيرًا والفقير ميسورًا، وأمة تقوم وقوة تصبح هباء منثورًا فأحسنوا الظن بمن يدبر الأمر.
الاستغفار بوابة النجاة
الدعاء يعتبر من العبادات العظيمة التي يحبها الله ويقضي بها الحاجات لا تحتاج تكلفاً ولا محاباة… و قبول الاستغفار قرن بشرط أساسي وهو التوبة والإخلاص في النية والعمل.
الاستغفار بمعناه الحقيقي عناية إلهية، وفرص متكرّرة، تساعد الإنسان في تحسين ممارساته السلوكية والشعور الدائم بالعلاقة مع الخالق والرقابة والمساءلة فهو إن استغفر قولاً فإن أوّل بشائر الخير، الإحساس بالطمأنينة، والقرب من ربه الذي يخاطبه مباشرة.
عادةً التوبة تلي العقاب، ومن حكم عليه بالذنب، فهو متهم ومدان، ولا إمكانية للعودة قبل أن يعاقب جزاءً لما قام به، ولكن عند أرحم الراحمين الاستغفار والتوبة من الأولويات والمقدمات الدينية، فالاستغفار باب لاستجابة الدعاء، وإنزال الأرزاق، ونيل الأجر والثواب…، كما أن الاستغفار لا ينحصر بالذات فهو للنفس والأهل، والناس… وكلما اتسعت المساحة كانت الرحمة أوسع.