على صدى الدور التاريخيّ لدير سيدة اللويزة الذي انعقد فيه المجمع اللبنانيّ الأول سنة 1736 ، وتحت أضواء إشعاع مؤسّساته التربويةّ والجامعيّة العريقة ، احتفلت مدرسة سيّدة اللويزة للرهبانيّة المريميّة المارونيّة، زوق مصبح-كسروان، بتخرّج دفعةٍ كبيرة من طلّابها، حملت شعار:” شعلة الرّوح”، برعاية كريمة من رجل الإبداع اللبنانيّ، وصاحب المراتب والمسؤوليّات العالمية كارلوس جورج غصن، الذي شرّف مناصبه ، بما تحلّى به من طموح وريادة ونبوغ، سطّر بها النجاحات الجلّيلة، التي عادت بالتقدّم والتطوّر، على المؤسّسات والشركات والمصانع العالميّة، وقد أكسبها بفضله وغزير جهوده شهرة ورواجاً غير مسبوقَين بين الدول، وانطلاقاً من هذه المزايا تمّ اختياره راعياً للاحتفال.
أعدّت إدارة المدرسة برنامج الاحتفال ، برئاسة الأب د. حنّا طيّار، مع عناية الرئيس العام للرهبانيّة المريميّة المارونيّة الأباتي بيار نجم ، الذي حضره أيضاً مع سيادة المطران حنا علوان ومجلس المدبّرين والآباء والهيئة التعليميّة وأهالي الطلاب ، وحشد من الشخصيّات والفعاليّات الرسميّة والبلديّة والهيئات الروحيّة والتربويّة والإعلاميّة ومنهم الزميل د. جوني ضو الخبير الدوليّ للأنشطة التربويّة العامّة والإعلام الذي تولّى الحملة الإعلاميّة الفنيّة. وقدّم خلاله طلاب المدرسة لوحات فنيّة منوّعة لامست الحِرفيّة أداءً وتعبيراً مع كلمات بالّلغات العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة، وكان عرّيف الاحتفال المربّي القدير الأستاذ جوزف مغامس.
استهلّ رئيس المدرسة، الأب د. طيّار الاحتفال في تخرّج طلابه، بكلمة بليغة المبنى والمعنى، هي أشبه بوصيّة أب لأبنائه، وهو الذي عُرف بتميّز مزاياه التنظيميّة والإداريّة والروحيّة حين شغل سابقاً مهامّ أمين السرّالعام ثمّ المدبّر العام للرهبانيّة والمسؤول العام عن مركز رسالتها في الولايات المتحدة الأميركيّة، ومدير فرع جامعة سيدة اللويزة في دير القمر. وقد أثنى أولياء الطلاب على جهوده وحسن إدارته المثمرة لنجاحهم.
وممّا جاء في كلمته :” كَـمْ يُسْعِدُني أنْ أَستقبلَكُـم في مدرسـةِ سيّدةِ اللويزة، في أُمسيةٍ تَفيضُ فرحًا وحبورًا، في عشيّةِ عيدِ الأب المضحّي والقدوةِ والمثالِ تجاه أبنائِه على مثال أبينا السماوي، حيثُ تلاقَيْنـا لِنُتوِّجَ معًا خمسَ عشرةَ سنةً من التحصيل وبناءِ المعرفةِ وتكوينِ الثقافة وتجاوز الهواجس بالإنجازات.. ” وبعد أن عدّد أفضال الأساتذة ودور الأهل وكلّ المتعاونين على امتدادِ عاميـن، نوّه عن اجتهاد الخرّيجين الذين يكبر بهم هذا الوطنِ وقال:” ستمحونَ كُلَّ التشوّهـاتِ من بنيتِه، وكيانِه، وبِعِلمِكم وتربيتِكم وقِيَمِكم وطموحاتِكم وقُدراتِكم سَتُظَهّرون في غدٍ قريبٍ صورةَ لبنانَ الحقيقيّـةَ”.
ثمّ أوصاهم قائلاً:” أتمنّـى عليكم أنْ تَسْمعوا جيّدًا، ما سيقولُه لكم راعي احتفالِكم رَجُلُ الأعمالِ الكبيرُ كارلوس غصن بكونِه ظاهرةً في التفوّقِ وقد شقَّ الآفاقَ ولم يتعلَّقْ بأذيالِ الفاشلينَ المُسطّحيـن…نعم، كارلوس غصن هو قيمـةٌ مضافةٌ في تخرُّجِكم فافتخروا بشهاداتِكم تتسلّمونها من يدهِ وفاخروا بأمثولـةِ النجاحِ التي تعلّمتموها منه، ومَعي قولـوا له: شكرًا كارلوس غصن.”
وأشار الأب د. طيّار إلى القفزة النوعيّة في ورشةِ نهوضٍ تربويٍّ تهدف إلى تطوير مناهج مدرسة سيّدة اللويزة ورسالتها المواكبة للمستجدات التعليميّة والتربويّة على المستوى العالميّ .
وأطلق وصيّته الثانية للخرّيجين: ” هوذا يومُكم فافرحوا… أشبعوا عيونَكم بأبهى مَشْهدٍ “لويزيٍّ”، وأملؤوا صدورَكُم من هواءِ مدرستِكم… واختاروا جيّدًا جامعاتِكم، وأضيئوا أفكارَكُم بنورِ الشُّعلـةِ شِعارِ دورتِكم… شُعلةِ الروحِ التي لا تنطفئُ وتهبُّ كيفما تشاءُ وحيثُما تشاء”. وختم كلمته بتهنئة الطلاب وأهاليهم، وبالشكر الجزيل لراعي الاحتفال السيّد كارلوس غصن ولكلّ الحضور الكريم وتمنّـى لهم التوفيقَ على دروبِ الحياة.
أمّا كلمة الرعاية فقد ألقاها صاحبها كارلوس غصن وهو الشهير بمثاليّة النبوغ اللبنانيّ، والمبدع ابتكاراً على الصعيد العالميّ، رئيساً سابقاً لإدارة أهم صناعات السيارات في أكثر من دولة، وما يزال يدأب على استمرار إنجازاته في مجالات إنسانيّة واجتماعيّة وثقافيّة، يسهم فيها في بناء الأجيال وارتقاء الإنسان والوطن. استهلّ كلمته الوجدانيّة بشكر المؤسّسة التعليميّة والأهل، وتوجّه إلى المتخرّجين مستذكراً يوم تخرّجه لخمسين سنة خلت، حيث شعر آنذاك بمشاعر متناقضة، من الفرح والزعل في آن، حين “كنتُ على وشك أن أودّع رفاقاً لي وأساتذة ومدرسة أحببتهم جميعاً. وأنتم تشعرون بذات هذه المشاعر” . وكراعٍ مسؤول وأبٍ غيور خاطب غصن الطلاب بقلب مفتوح وأسدى إليهم من خبراته ثلاث نصائح زاداً لمستقبلهم وهي:
-الأولى:”أن تحسبوا وتتيقّنوا بأنّ الحياة صعبة ، وفي الوقت الذي تستوعبون حجم الصعوبة، وتجاهدون بحسب هذا التوقّع، يمكنكم مجابهة التحديات في سبيل الوصول إلى الانتظارات المرجوّة. .. لذا تذكّروا بأنّه عندما تترسّخ فكرة صعوبة الحياة في أذهانكم، ستصبح من هذا المستوى أقرب إلى السهولة من الصعوبة”.
-الثانية: “لكلّ هدف في الحياة طريق هي أعظم أهمّية منه. لذا أوصيكم بأن يكون الانضباط رفيقَ دربكم، لأنّه جوهريّ وأساسيّ. فاشتغلوا على الانضباط وتمرّسوا به، وهو البوصلة الصحيحة لبلوغ الهدف.
وعلى قدر انضباطكم هذا، يكون مقياس ما تحقّقون من أهدافكم. وعليكم أن تتسلّحوا بفضيلتَي الإصغاء والمراقبة، أكثر من التكلّم والحكي، عملاً بما صنعه الله تعالى فينا، إذ أعطانا أذنين وعينَين ولساناً واحداً، وفي ذلك عبرة واضحة لسلوكنا في الحياة… وإذا صادفتكم الأخطاء، فلا تطمسوها ، بل أظهروها للتصحيح والإصلاح، وفي هذا النمط الشفّاف يكون تحقيق الأهداف النبيلة والناجحة”.
-الثالثة:” في حياتكم ستكتشفون أنّ الحبّ هو أسمى معاني الحياة . فكلّ نجاح من دون الحبّ، سواء كان في السلطة أو في الشهرة أو الثروة أو في التأثير على الآخرين، يبقى فارغاً في مضمونه ومعناه.وما أقصده من الحبّ هو الحبّ الكليّ: كحبّ الزوجَين، حبّ الأولاد، حب العيلة والبلدة والحيّ والمدرسة، حب الناس والوطن، والبشر جميعاً، بما في ذلك محبة الأفكار والفنون والعلوم… غذّوا الحبّ في قلوبكم وازرعوه في كلّ مكان، وهو الذي سيرافقكم وحيداً بسموّه حتى آخر لحظة من العمر”.
وختم غصن كلمته بتركيز نصائحه كمعلّم ومربّ سخيّ في العاطفة والعطاء، وطالب المتخرّجين: ” أكتبوا على الصفحة الجديدة من حياتكم، بالشغف والالتزام ودائماً وأبداً بالحبّ، .. متحلّين بالصبر والثبات، وبذلك أؤكّد لكم أنّ الحياة لن تخذلكم، وستكون النتائج على قدر طموحاتكم . ”
وفي مسك الختام، تمّ تكريم صاحب الرعاية بتقديم درع خاص تقديراً لشخصه ومبادراته المشكورة، وبكوكتيل ونخب المناسبة.