بقلم وسام فتوح
أمين عام إتحاد المصارف العربية
في حين أن قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الاوروبي هو قانون أوروبي، فإن انتشاره سوف يمتد ليشمل جميع البلدان ذات أنظمة التكنولوجيا القابلة للتشغيل المتبادل مع أوروبا. وقد يكون حجم هذا القانون أكبر وأعمق من القانون الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية.
كل ذلك يفتح فرصاً جديدة لمختلف الشركات والتجار في جميع أنحاء العالم ويساعد في تسهيل توسعهم والوصول إلى أسواق جديدة على الصعيد الدولي. في حين أن هناك إجماعاً واسعاً على فوائد هذا التحول الرقمي، الا أنه يحمل في طياته عواقب سلبية عديدة على المجتمع والاقتصاد. إن هذه التحديات الجديدة والطرق التي تتعامل معها المنصات لها تأثير كبير على الحقوق الاساسية لمستخدمي الإنترنت. على الرغم من الجهود الطفيفة على مستوى الاتحاد الأوروبي والمستوى العالمي.
وتحاول المفوضية الأوروبية معالجة ثلاث مشكلات رئيسية تتعلق بإدارة الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي:
أولاً: زيادة التعرض للأنشطة غير القانونية والضارة عبر الإنترنت مثل بيع البضائع غير القانونية ومنها البضائع الخطرة، وخطاب الكراهية غير القانوني، والإعلانات غير القانونية التي تستهدف الأفراد.
ثانياً: قلة التعاون بين السلطات الوطنية ومحدودية آليات الرقابة.
ثالثاً: مخاطر التجزئة القانونية والحواجز القانونية للخدمات الرقمية
لقد تم تنفيذ العديد من المبادرات الوطنية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمعالجة المشكلات المتعلقة بإدارة الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي. وصدر قانون بشأن شبكات التواصل الاجتماعي في عام 2017 وتم تعديله في عام 2020، كما تم تقديم مشروع قانون يتعلق بمنصات الإنترنت، كذلك تم إدخال قوانين وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم محتوى المنصات عبر الإنترنت. إن الفكرة الأساسية وراء قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA) هي أن ما هو غير قانوني في العالم الحقيقي، ويهدف قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية إلى إنشاء عالم أكثر أماناً عبر الإنترنت وتحديث توجيهات التجارة الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر قانون “الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي” أكثر أماناً وانفتاحاً ويشمل قانون الخدمات الرقمية DSA وقانون الأسواق الرقمية DMA.
وعلى الرغم من الجهود على مستوى الاتحاد الأوروبي، لقد أدى تسارع التحول الرقمي للمجتمع والاقتصاد إلى خلق حالة تتحكم فيها بعض المنصات الكبيرة في النظم البيئية الهامة في الاقتصاد الرقمي. ولهم القدرة على فرض القواعد الخاصة بهم.
باختصار، يحتوي قانون الخدمات الرقمية (DSA) على:
تدابير لمواجهة السلع أو الخدمات أو المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت.
تدابير جديدة لتمكين المستخدمين والمجتمع المدني.
تدابير لتقييم المخاطر والتخفيف م حدتها.
إجراءات وقائية جديدة لحماية القاصرين وقيود على استخدام البيانات الشخصية الحساسة للإعلانات المستهدفة.
يفرض قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA) التزامات مختلفة على شركات التكنولوجيا. ويطالب قانون الخدمات الرقمية شركات التكنولوجيا بالسيطرة على إدارة المحتوى. وتجدر الاشارة الى أنه لدى الاتحاد الأوروبي تاريخ حافل في سن التشريعات لعمالقة الإنترنت على للتعامل مع انتهاكات المنافسة وخصوصية البيانات وفرض العقوبة في حال الاخلال في القوانين المشرعة.
ويتيح قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA) للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة اختراقًا أكبر للسوق.
كما سيتمكن المستخدمون من الإبلاغ عن المحتوى غير القانوني على الإنترنت. وستكون هناك قواعد محددة للمنصات الكبيرة على الإنترنت.
وتتعلق القواعد المحددة في قانون الخدمات الرقمية (DSA) بشكل أساسي بالوسطاء والأنظمة الرئيسية عبر الإنترنت، مثل الأسواق عبر الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، ومنصات مشاركة المحتوى، ومتاجر التطبيقات، ومنصات السفر والسياحة عبر الإنترنت.
ومن المحتمل أن يؤثر قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الاسواق الرقمية (DMA) على الأعمال التجارية. لقد كان للقوانين السابقة، ومنها النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) الذي صدر عام 2016، آثار سلبية على الشركات عند تنفيذها. .تأثرت الاستثمارات في الشركات الأوروبية الناشئة في مجال التكنولوجيا سلبًا بسبب النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR). بينما يضع قانون الخدمات الرقمية (DSA) قواعد لشركات التكنولوجيا وفق حجمها، يركز قانون الاسواق الرقمية (DMA) على شركات التكنولوجيا الكبرى. وفقًا لتعريف المفوضية الأوروبية بينما يركز القانون الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) على حماية البيانات والخصوصية، يهدف قانون الأسواق الرقمية إلى لجم هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على السوق، في حين يركز قانون الخدمات الرقمية (DSA) على المحتوى غير القانوني وحماية حقوق المستخدمين.
وقد تحتاج الدول العربية إلى أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي في وضع معايير الخدمات الرقمية وإنشاء إطار تشريعي خاص بها للتحكم في الخدمات والأسواق الرقمية مع مراعاة القيم، والتاريخ، والتقاليد، والاحتياجات العربية.
يجب على الدول العربية تحديد نطاق وحدود إطارها الخاص بالتشريعات المتعلقة بالخدمات الرقمية، من خلال الاستفادة من أفضل الممارسات مع تجنب تقليد أو تكرار نهج الاتحاد الأوروبي بالكامل.إذ كانت قطر أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تصدر قانوناً مثل القانون الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR). كما وضعت البحرين أيضاً أفضل الممارسات الدولية. واتخذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خطوات لحماية الخصوصية الفردية، ولكن هناك حاجة للمزيد من التشريعات في الدول العربية التي ستحتاج إلى العمل على المستوى المحلي والإقليمي لإنشاء إطار قانوني عربي جديد، وتحديد أدوار جديدة للمنظمين للتحكم في الخدمات الرقمية.
وأيضا على المصارف والسلطات العربية دعم البحث والابتكار في الخدمات الرقمية وتحديد الأدوات والتقنيات الرقمية للتحكم في الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية.
كما ينبغي على الدول العربية العمل معاً لتطوير رؤية وطنية وإقليمية للخدمات الرقمية في العقد القادم، وتحديد أهداف واضحة ترسم معالم الطريق للعقد الرقمي. ويتوجب على الدول العربية فرض التشريعات التي تدور حول الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والهويات الرقمية والبيانات والاتصال.
وعلى المستوى الوطني، تعتمد اللوائح التنظيمية على عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية. بينما تفرض بعض القوانين قدرة أقل على التحكم، تفرض القوانين الاخرى درجة أعلى من التدخل التنظيمي. ويمكن وضع التشريعات في مجموعتين: سلوكية وهيكلية.
فيما تفرض التشريعات الهيكلية سيطرة أعلى على الأطراف المعنية. ومن البلدان التي تتبع التشريعات الهيكلية الصين، والاتحاد الأوروبي، وإندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، وسنغافورة، والإمارات العربية المتحدة.