لبّت السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، دعوة مجلس الأعمال الروسي-العربي للمشاركة في المنتدى الذي يعقد في إطار إكسبو 2020 في مدينة دبي، تحت عنوان “روسيا – العالم العربي: آفاق جديدة في واقع جديد”، بتنظيم مشترك من مجلس الأعمال الروسي العربي واتحاد الغرف العربية واتحاد غرف التجارة والصناعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع وزارة التجارة الخارجية.
بحث المنتدى الذي شارك فيه عدد كبير من الاختصاصيين في مجال الاقتصاد والتجارة والمال والصناعة في الخطوات المقبلة التي يجب اتخاذها من أجل رفع مستوى وحجم التعاون الروسي العربي في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار في ظل الأزمات العالمية، وفي كيفية التعامل مع القيود التي تفرضها الأزمات.
وألقت السيدة عون كلمة في جلسة حوارية تحت عنوان “دور رائدات الأعمال في ظلّ الاتجاهات العالمية الجديدة”، والتي ركزت على تطور واقع ريادة الأعمال النسائية ودور المرأة البارز في تشكيل اقتصاد جديد في سياق الاتجاهات الجديدة قالت فيها:” في خضم المناقشات التي تشغل اللبنانيين في بحثهم عن سبل للخروج من الأزمات المتراكمة وعن حلول للمصاعب المعيشية، تطرح اليوم على صعيد المجتمع إشكالية رفع مستوى مساهمة النساء في النشاط الاقتصادي في العمل المأجور، كما في ريادة الاعمال. فالأزمة الاقتصادية وضعت هذا الموضوع في دائرة الضوء، إذ أن على الرغم من طرحه منذ سنوات من جانب المنظمات النسائية، ظلت سبل معالجته محدودة. ومن مفارقات الوضع في لبنان، أن المستوى التعليمي لدى الإناث لا يقل عن المستوى الذي يبلغه لدى الذكور، وفي بعض المجالات يتفوق عليه، ونسب النساء المنتسبات إلى المهن الحرة كما إلى الجسم القضائي تعادل النسب المسجلة لدى الرجال أو يقترب منها. لكن مع ذلك لا تزال مساهمة النساء في النشاط الاقتصادي على الصعيد الوطني تقل عن نسبة ال 30%، ولا تزال نسبة رائدات الأعمال لا تتجاوز ال 11%. وتجدر الإشارة إلى أن ازدياد البطالة الذي سجل في لبنان مع انتشار وباء كوفيد- 19 وتفاقم الأزمة الاقتصادية، طالا النساء أكثر من الرجال. وبالإضافة إلى ذلك كانت واحدة من كل خمس مؤسسات دمرها الإنفجار في مرفأ بيروت في العام 2020، مؤسسة تملكها امرأة.”
وأشارت إلى أن: “بعد التراجع الاقتصادي الذي سجل في العام 2019 والاحتجاجات الشعبية التي تلته، توالى انتشار الوباء وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمصرفية ومن ثم انفجار المرفأ وتراجع الخدمات العامة، وبات من الصعب الحصول على مصادر الطاقة، وهبطت قيمة العملة الوطنية بأكثر من 90%. هذه العوامل مجتمعة، ضاعفت بالطبع التحديات التي تواجهها النساء في ريادة العمال في لبنان، إنما هذه التحديات كانت قائمة من قبل، وترتبط أسبابها إلى حد كبير بالصورة السائدة عن أدوار المرأة في المجتمع، وبالقدرات الاقتصادية المحدودة التي تتوفر لها وبالإمكانات المالية المتاحة لها. فأولى متطلبات ريادة الأعمال هي الثقة بالنفس، والتفاؤل بأن المشروع المنوي إطلاقه سيكون مشروعاً ناجحاً. الثقة بالنفس هنا هي أولاً ثقة بالقدرة الذاتية على إطلاق مشروع وإدارته بنجاح وتخطي المصاعب من أي نوع كانت. والثقة يكون موضوعها أيضاً البيئة المحيطة بالمشروع، والتي تتمثل بالشروط الاقتصادية والمالية والقانونية والقضائية التي يفترض أن ترافق نشأة المشروع وتطوره. وبالطبع يكون هناك ثقة، عند تأسيس مشروع اقتصادي، بـأن هذا المشروع سيكون ناجحاً يجلب الربح لصاحبه أو صاحبته متيحاً التقدم في الموقع الاجتماعي. بالنسبة إلى النساء، تقل لديهن الثقة بالنفس نسبة لما نشهده لدى الذكور الذين عادة ما تتكون لديهم في مجتمعنا، هذه الثقة منذ الصغر. ذلك نتيجة للقيم التربوية الرائجة التي تسهل عليهم اتخاذ القرار بالمجازفة بجزء مما يمتلكون لتحقيق مشروع اقتصادي يراهنون على نجاحه، فيما تتردد النساء في الحالة نفسها، على الإقدام على المخاطرة خشية من الفشل والخسارة. إضافة إلى ذلك، تقوم الصورة النمطية الرائجة عن الدوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة في المجال الاقتصادي، الأول على أنه المبادر إلى تأسيس الأعمال والجاني للأموال، وترى في المجازفة التي يقوم بها عند إطلاق المشروع، شجاعة وإقداماً. وفي المقابل تصور دور المرأة على أنه يقتضي قيامها بتدبير شؤون الأسرة ورعايتها، وتنزع هذه الصورة إلى الاعتبار أن المجازفة التي تقوم بها عند إطلاق مشروع هي مخاطرة وتهور.”
وأضافت: “هذه الاعتبارات تفسر جزئياً قلة النساء رائدات الأعمال في مجتمعاتنا، إنما تقتضي الإشارة أيضاً إلى عامل اجتماعي آخر مؤثر في هذا المجال، هو افتقاد النساء الراغبات في تأسيس الأعمال في معظم الأحيان لما يعرف “بالرأسمال الاجتماعي” الذي يتمثل بشبكة العلاقات الاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في مساندة إطلاق المشروع وإنجاحه. أما في ما يتعلق المؤهلات وبالإمكانات التي يتطلبها النجاح في تأسيس مشروع اقتصادي، فيلاحظ أن النساء هنّ عادة أقل تمرساً من زملائهن الرجال في مهارات التعامل المصرفي، وهن يجدن صعوبة أكثر من الرجال في الحصول على القروض خاصة أن الإمكانات المتوفرة لديهن لضمان القروض هي عادة محدودة. فالقوانين والممارسات لا تزال في مجتمعاتنا، مجحفة بالنسبة إلى الحقوق الاقتصادية للنساء خاصة في مجال الإرث وفي مجال الحقوق المعترف بها لهن في الزواج. والصعوبة في الحصول على القروض المالية لها تأثير كبير على الحد من تطلعات النساء إلى تأسيس الأعمال وتطويرها. من هنا نرى أنه عادة، عندما نتناول موضوع المؤسسات التي تملكها أو تديرها نساء، نتكلم واقعاً عن مؤسسات صغرى أو صغيرة وأحياناً متوسطة لا يتعدى عدد العاملين فيها الخمسين، وقل ما نجد امرأة على رأس مؤسسة اقتصادية كبيرة.”
وتابعت: “ندرك في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية طبيعة العوائق التي تعترض إقدام النساء على تأسيس الأعمال ونسعى إلى تذليلها. نعمل أولاً بهدف إقرار القوانين المؤاتية التي من شأنها الاعتراف بكافة الحقوق للمرأة أسوة بالرجل، ومنها حق الأم في نقل جنسيتها إلى أولادها ومنع تزويج الأطفال، وتعزيز التمثيل البرلماني للمرأة عن طريق إقرار كوتا نسائية في قانون الانتخابات، وفرض مشاركة النساء في مجالس الإدارة للشركات المساهمة بنسبة ثلث الأعضاء، وتأمين مساواتهنّ بالرجال في قانون الضمان الإجتماعي. وقد تحقق للهيئة قبل عام مطلبا تجريم التحرش الجنسي قانوناً وتوفير حماية قانونية أكثر شمولاً للمرأة المعنّفة. كذلك تعمل الهيئة من خلال الخطة الوطنية الرسمية لتطبيق القرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن ومن خلال العمل في إطار تطبيق برنامج تمكين النساء في المشرق وتطوير الاقتصاد في دول المشرق الذي أطلقه البنك الدولي في العام 2019، على ايجاد الحلول بالنسبة الى تأمين خدمات حضانة صغار أطفال النساء الراغبات في الدخول الى سوق العمل. علماً أن برنامج تمكين النساء في المشرق يتضمّن التعاون مع الغرف التجارية ومؤسسات متخصصة لتوفير التدريب للنساء الراغبات في خوض تجربة الأعمال، ولمدهن بالخدمات الضرورية في مرحلة التأسيس. كذلك تضمّنت الخطة الوطنية لتطبيق القرار 1325، اتّخاذ المبادرات لتسهيل منح القروض للمشاريع التي تطلقها، إنما لم يتمّ تفعيل هذه المبادرات لغاية اليوم بسبب الأزمة المصرفية. وعلى المستوى الاجتماعي، تمهد الهيئة للمساهمة في تطوير الصورة النمطية السائدة للمرأة عبر التعاون مع وسائل الاعلام والتواصل وتنظيم الحملات الاعلامية والاعلانية بالتعاون مع شركائها.”
واعتبرت أنه: “كان من بين الأثار الذي تركها انتشار وباء كوفيد-19 على الصعيد العالمي، تعميم الحاجة الى استخدام وسائل التواصل الالكتروني في مجالي التعليم والعمل ولعقد الاجتماعات واللقاءات بواسطة التقنيات الرقمية، وحتى للاستعاضة عن التوجه الى العيادة الطبية بالاكتفاء باستشارة الطبيب عن بعد. الأمر انطبق أيضاً على مجال الاعمال، حيث باتت المهارات الرقمية ضرورية في تأسيس الأعمال وتطويرها وفي التعامل مع الموردين والمصارف والزبائن. وبالتالي بات من الضروري، اكثر من قبل، توفير التدريبات للنساء لتمكينهن من استخدامها. على صعيد آخر، ألقى انتشار الوباء عالمياً، الضوء على أهمية اعارة الاهتمام الفعلي لقضايا حماية البيئة وأثار التغيير المناخي والتنبه للمخاطر الصحية التي ينطوي عليها الافراط في تناول الأطعمة المصنعّة ولضرورة الاستثمار في مجال الغذاء الصحي. اليوم تتم ترجمة هذه الاهتمامات على الصعيد الاقتصادي، وفي لبنان نلاحظ مساهمة كبيرة للنساء في الاستثمار بقطاعات جديدة كانت في الماضي حكراً على الرجال، مثل قطاع استثمار موارد البحر الذي بات يُعرف عنه ب”الاقتصاد الأزرق”، وقطاع الزراعة التي تعتمد الأسمدة الطبيعية، وانتاج وتسويق المصنوعات الحرفية، مثل منتوجات التجميل من غير الاعتماد على المكونات الكيمائية. ونلاحظ على النشاط السياحي نموّاً ملحوظاً في قطاع السياحة البيئية وتكاثر بيوت الضيافة في المناطق، علماً ان النساء يدرن قسماً كبيراً منها.”
وأكدت أن: “هذه النشاطات الاقتصادية التي تجتذب المبادرات النسائية، وتفتح مجالات جديدة للاستثمار، تدخل في اطار مقاربات جديدة للاستثمار بشكل عام. وهذه المقاربات تنطلق من الاعتراف بمحدودية الموارد المتوفرة في كوكب الارض إن على صعيد الطاقة او على صعيد المواد الأولية، وتروّج لاقتصاد دائري يعتمد اعتماد التدوير للمواد التي نستهلكها كل ما كان ذلك ممكناً. ومن التجارب التي واكبتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، نعطي مثلاً استخراج النحاس من خرطوش الصيد المستعمل وإعادة تدويره، وكذلك إعادة التدوير لاطنان الزجاج المكسّر الذي خلّفه الانفجار في المرفأ، والحملات التي تقوم بها بعض الجمعيات البيئية للتوعية على ضرورة خفض استخدام البلاستيك في الحياة اليومية، وفرز النفايات المنزلية ومشاريع استبدال المصادر الاحفورية للطاقة (Fossil Energy) بمصادر متجددة كالطاقة الشمسية والهوائية مثلاً. تتكاثر هذه المبادرات في لبنان إنما نطاقها لا يزال محدوداً، ونحن بحاجة الى سياسات عامة تشجّع النساء في الولوج في مجالها. فعالم ما بعد كوفيد قد تغيّر، ونأمل أن تكون هذه التغييرات إيجابية للحفاظ على كوكبنا وللتقريب بين شعوبه، نساءً ورجالاً.”
وختمت السيّدة عون: “أشكر مجلس الأعمال الروسي العربي وإتحاد الغرف العربية وإتحاد الغرف الإماراتية وجميع الجهات المشاركة في تنظيم منتدى مجلس الأعمال الروسي العربي في إطار إكسبو دبي 2020، على دعوتي للمشاركة بهذا اللقاء الثري بالمعلومات والمقاربات التي يتم تبادلها في إطاره. عسى أن تفتح الجولة الحوارية التي نعقدها اليوم آفاقاً جديدة أمام النساء، وتشجعهنّ على تكثيف المساهمة في بناء اقتصادات دولنا.”