عقدت الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة الاجتماع الثاني للجنة الوطنيّة التنسيقيّة المتخصّصة بالمرأة في الإقتصاد، الّذي يهدف إلى رصد وتقييم التقدم المحرز في الأعمال التي قامت بها الأطراف المشاركة في اللجنة خلال الفترة السابقة بدعم من وكالات الأمم المتحدة، كما يرمي الى اعتماد النشاطات المتفق على تنفيذها في المرحلة المقبلة وتحديد مهام مجموعات العمل للعام 2022.
ويأتي هذا الإجتماع ضمن العمل التنسيقي الذي تقوم به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بدعم من هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لتنفيذ خطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن ١٣٢٥ الخاص بالمرأة والسلام والأمن الّتي التزمت الحكومة اللبنانيّة بتنفيذها.
شارك في الإجتماع السيّدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة، والسيّدة مهريناز العوضي مديرة مجموعة العدالة بين الجنسين والسكان والتنمية الشاملة في الأسكوا، والسيدة ناديا خليفة اختصاصية في مجال المرأة والسلام والأمن في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وممثّلات وممثّلون عن الوزارات والإدارات العامّة ومنظّمات المجتمع المدني وعن وكالات الأمم المتّحدة المعنيّة.
افتتح اللقاء بكلمة للسيّدة كلودين عون قالت فيها: “يدعو قرار مجلس الأمن الرقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن، الدول إلى ضمان زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار لمنع الصراعات وإدارتها وحلها وإحلال السلام.
ولا يخال أن تكون النساء مؤهلات للقيام بهذه الأدوار لو كن غير متمكنات. ولا يعقل أن نتكلم عن نساء متمكنات من غير تناول التمكين في وجهته الإقتصادية، إذ يصعب أن تكون للنساء أدوار يقمن بها في منع الصراعات وإدارتها وحلها إن كن غير قادرات على الإعتماد على أنفسهن في توجيه حياتهن وفي اتخاذ القرارات الإقتصادية على الصعيد الشخصي كما على الصعيد المجتمعي.”
وتابعت: “من هنا، شملت الخطة الوطنية لتطبيق القرار 1325، المعتمدة من جانب الحكومة في خريف العام 2019، ضمن هدفها الاستراتيجي في زيادة مشاركة المرأة في صنع القرار، مشاركة المرأة في القطاع الإقتصادي. وذكرت الخطة من بين السبل إلى ذلك، إصلاح السياسات، وتوفير بيئة مؤاتية وظروف لائقة للعمل وتدابير حماية، تخصص للمرأة في القطاعين الرسمي وغير الرسمي. وقد نصت الخطة في هذا الإطار على عدد من التدخلات تم تنفيذ البعض منها مثل إجراء الدراسات التي تتناول تحليل الوضع القائم لتحديد الإحتياجات والثغرات وتقييم الفرص، ومناهضة التحرش الجنسي في أماكن العمل، فيما حالت الأزمة الإقتصادية والمصرفية دون العمل بتدخلات أخرى، أبرزها تلك المتعلقة بتسيير القروض للنساء الراغبات في المبادرة إلى تأسيس أعمال خاصة.”
وأضافت: “لقد بتنا اليوم أكثر إحاطة بالعوامل المؤثرة على مشاركة النساء في الحياة الإقتصادية وبأسباب تدني نسب مشاركة اللبنانيات في سوق العمل وفي تأسيس الأعمال الخاصة. بات مثلا من المتفق عليه أن واجب الرعاية الأسرية الذي تتحمله المرأة عادة وحدها، من غير مشاركتها مع الرجل في القيام به، هو من بين الأسباب الرئيسية لبقاء نسبة مشاركة النساء دون مستوى ال 30% في القوى العاملة ودون مستوى ال 10% في امتلاك الأعمال الخاصة. واليوم، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي نمر بها ومع تمدد الفقر إلى فئات إجتماعية كانت تعتبر قبل سنوات من فئات الطبقة الوسطى، تقلصت فرص العمل المتاحة للنساء وتسارعت وتيرة ازدياد البطالة بينهن أكثر مما ازدادت لدى الرجال مما يدفعهن أكثر فأكثر إلى القبول بوظائف غير نظامية لا تؤمن فيها في غالب الأحيان شروط العمل اللائق ولا يتوفر فيها الضمان الإجتماعي ولا تستفيد فيها النساء من التقديمات الخاصة بالأمومة. إلى ذلك زادت الأزمة من اتساع الفوارق بين الأجور التي يتقاضاها النساء والرجال لعمل مماثل على الرغم من وجود نص قانوني يحظر التمايز في الأجر بسبب الجنس.
على الرغم من الصعوبات المتزايدة، لا بد من الإشارة إلى أن تبني البرلمان في أواخر العام الماضي لقانون يجرم التحرش الجنسي شكل خطوة من المتوقع أن تأتي بتأثير ايجابي على إلتحاق العديد من النساء في سوق العمل إذ ان الخشية من التعرّض للتحرّش تثني بعض النساء على الرغبة في العمل خارج المنزل. كما لا بدّ من التذكير بأنّ الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة أعدّت خلال الأشهر الماضية نصّين قانونيين معروضين اليوم على المجلس النيابي بعد تبنّيهما من جانب عدد من النوّاب، يقضيان بلزوم تمثيل النساء بنسبة الثلث في مجالس إدارة الشركات المساهمة، وباستحداث إجازة أبوّة للوالد الّذي يرزق بطفل وإجازة مرضيّة لصغار الأطفال يستفيد منها الوالد كما الوالدة للإعتناء بالطفل أو الطفلة، قبل بلوغ السابعة من العمر، في حالة المرض.”
وقالت: “لنا أن نتطلّع اليوم إلى الخروج من الأزمة بالتعويل على الإمكانات التي يختزنها شاباتنا وشبابنا. فالإقتصاد اللبناني اعتمد أساساً للنمو قبل تراجعه حاليّاً، على الرأس المال البشري لدى اللبنانيين واللبنانيّات نظراً لمؤهّلاتهم العلميّة. وينبغي علينا اليوم أن نتطلّع إلى الحفاظ على هذه الميزة بالسعي لعدم السماح للأزمات الحاليّة بالإنعكاس سلباً على المستوى التعليمي والمهني. من هنا كان حرصنا في الهيئة الوطنيّة على التوعية على مساوئ التسرّب المدرسي خاصّةً لدى الفتيات. ولنا أيضاً أن نتطلّع إلى تنمية المجالات الإقتصاديّة الّتي من المجدي الإستثمار بها مستقبلاً والسعي إلى تشجيع التأهيل المهني الذي يتطلّبه العمل في مجالات الإقتصاد الرقمي والطاقة المتجدّدة والتنمية المحليّة. كذلك لنا أن نشجّع على اكتساب المهارات لجعل الإنتاج المحلّي متطابقاً مع المواصفات العالميّة وقادراً على دخول الأسواق العالميّة. لا شكّ أنّ المبادرات في هذه المجالات تصحّ بالنسبة إلى تنشيط العمل الإقتصادي للرجال كما للنساء، لكنّ عمل النساء يبقى، في المجالات الإقتصاديّة الجديدة كما التقليديّة، رهناً بالخدمات المساندة الّتي من الممكن أن توفّرها، بكلفة مقبولة، مؤسّسات متخصّصة لرعاية الأولاد والمسنّين. كما من الممكن أن تأتي هذه المساندة بواسطة مشاركة الرجل في تقاسم مسؤوليّات الرعاية الأسريّة مع المرأة. ومن هنا حاجتنا إلى تعميم صورة جديدة عن الأدوار الإجتماعيّة للرجل لا تختصر دوره في الأسرة بتوفير الدخل المالي وممارسة السلطة الأبويّة بل تشركه مع المرأة بالقيام بكافّة متطلّبات الحياة الأسريّة.”
وختمت: “آمل أن يأتي عملنا اليوم مثمراً لجهة بلورة السبل الكفيلة بتحقيق التقدّم في مجال مشاركة النساء في الحياة الإقتصاديّة.”
بعدها ألقت السيّدة العوضي كلمة جاء فيها: “بات جلياً للجميع أن حدّة الأزمات مضاعفة بالنسبة للنساء إذ يتحملن تبعاتها بشكل غير متساوٍ مقارنة بالرجال. فهن عرضة أكثر لخسارة وظائفهن وإنخفاض راتبهن. كما قد ازداد عبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقع غالبيتها على عاتقهن وذلك نتيجة لبقاء الأطفال خارج مدارسهم، وزيادة حاجة كبار السن إلى الرعاية. والخشية تتضاعف من عام إلى آخر بأن تتلاشى المكاسب المحدودة التي تحققت في العقود الماضية مع الخسارة المتوقعة لساعات العمل وتقلص الفرص الجديدة في سوق العمل.”
وتابعت: “قدرة النساء على مواجهة الصدمات الاقتصادية أضعف من قدرة الرجال وذلك لأن قدرتهن فى الأصل للوصول إلى الموارد والتحكم عادةً ما تكون أقل مما هي عليه لدى الرجل قبل تلك الصدمات التي تزيد وضع المرأة المهمشة سوءاً. وجائحة كوفيد-19 برهنت أن أخذ احتياجات النساء في خطط الاستجابة ضعيف. ففي حين وضعت معظم الدول ومن بينها الدول العربية بما فيها لبنان خططاً واتخذت إجرارءت للتصدي لجائحة كوفيد-19 وتبعاتها ،فقد تجاهلت معظم هذه الخطط احتياجات المرأة إلى حد بعيد. من هنا تبرز وتتجلى ضرورة المثابرة والإصرار على الدفع بتنفيذ الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 إذ أنها تساهم في معالجة الحواجز الهيكلية التي تعيق مشاركة المرأة في الحياة العامة سواء كانت اقتصادية أو سياسية والمشاركة في صنع القرار. كما يمكن أن يسهل تقديم تنفيذ هذه الخطة ضمان مشاركة المرأة في وضع الخطط المتعلقة بالإستجابة للأزمات والصدمات.”
وأضافت: ” اليوم أكثر من أي يوم مضى هنالك ضرورة لتعزيز مساهمة المرأة في الاقتصاد في لبنان وليس فقط لضمان استفادتها من المحصلات الاقتصادية وضمان العيش اللائق لها ولعائلتها وإنما أيضاً لضمان مساهمتها في مسار التعافي من الأزمات الحادة التي تشهدها البلاد والبناء لغد أفضل.الأمل كبير بأن تساهم أعمال الهيئة بالمضي قدماً في تنفيذ خطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 التي نرجو أن تأتي بثمارها على جميع الرجال والنساء والمجتمع ككل في لبنان.”
وختمت: “فى النهاية أشكر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بقيادة السيدة كلودين عون على حرصها على توطيد العلاقات والتعاون مع الهيئات الأممية مما يعزز الاستفادة من القدرات المتوافرة ويفضي إلى تحقيق النتائج المرجوة. ولا يفوتني أن أشكر كل امرأة لبنانية تتحمل تلك الصدمات المتتالية وتثابر لوجود حلول تضمن عيش كريم لأولادها وأسرتها.”
ثمّ استعرض السيد جاد نجم المنسق الوطني لبرنامج تمكين النساء في المشرق MGF – ورئيس لجنة الاقتصاد و العمل والتنمية المستدامة في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، برنامج تمكين النساء في المشرق MGF المدعوم من البنك الدولي والمموّل من الحكومة الكنديّة والحكومة النرويجيّة.
وبعدها استعرض الدكتور علي فقيه أستاذ الاقتصاد التطبيقي في الجامعة اللبنانية الأمريكية توصيات التقرير حول “المشاركة الإقتصاديّة للمرأة في لبنان: تحليل القوانين والتشريعات والسياسيات” المنفّذ ضمن البرنامج المشترك للهيئة والاسكوا وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان.
وعرضت الآنسة ريتا راشد سلامة منسقة تطوير المشاريع في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية العمل على تنفيذ الخطّة الوطنيّة للقرار 1325 لزيادة مشاركة المرأة في القطاع الإقتصادي.
واختتم الإجتماع بتشكيل مجموعات العمل للعام 2022 ومناقشة وتحديد الأولويّات لتعزيز دور المرأة في الإقتصاد ومنها، إنشاء شبكة مؤلفة من مؤسسات وطنية ومنظمات غير حكومية دولية ومحلية حول المشاركة الاقتصادية للمرأة، والعمل على تعديل النصوص التمييزية في قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي وزيادة التوعية من خلال الحملات والتدريبات للموظفين وأصحاب العمل، بما في ذلك في القطاعين الرسمي وغير الرسمي بشأن تدابير الحماية الاجتماعية (المساواة في الأجور والامتيازات، مناهضة التحرش في أماكن العمل…).