السيد النائب،
معلوم إن الضرب بالميت حرام، ولكن بما ان الميت آخر مؤسسة مؤتمنة على شعب وبلد فالجلد ضرورة!
لقد إنتظرتم قرابة السنتين لمناقشة واستحداث قانون كابيتال كنترول وقد ترنحت نسخات يتيمة عديدة منه في غياب خطة مالية شاملة بين لجان المجلس ووصلت إلى لجنة المال والموازنة التي وإن فعلت شيء فإنها عرقلت وعطلت وعدلت بما يتناسب ومصلحة المصارف ومصرف لبنان. حتى طالعنا اليوم فريق رئيس الحكومة المعطلة بنسخة مفخخة جديدة تنسف مبادئ التعامل المصرفي والقوانين الدولية والمحلية وتحمّل المودعين وزر فشل المصارف وهندسات حاكم مصرف لبنان المدمرة.
لقد عجز صندوق النقد الدولي في أمر الأزمة اللبنانية وسبل تعاطيكم معها، وسبق أن أعلمكم برفض قانون كابيتال كنترول على شاكلة ذلك القديم الذي كنتم تناقشونه، فتذرعكم اليوم بتنفيذ شروط صندوق النقد عبر إقرار قانون مسخ كالمطروح هي حجة ساقطة بالرغم من محاولاتكم لتمريره خلسة وعلى عجل قبل نهاية الدورة العادية لمجلسكم . وإن دل ذلك على شيء فهو دليل على تواطؤكم ومشاركتكم في الجرائم التي إقترفها مصرف لبنان وحاكمه المدعى عليه في الداخل والخارج والمصارف المتمنعة عن الدفع وتبرئة ذممكم سوية من كل مسؤولية كان ينبغي أن تكون محور الحل عبر تدقيق جنائي ومحاسبة فعلية لكل من إستفاد ويستفيد من الأزمة ولكل من قصّر عن قصد أو بغيره وكل من تنصل من المسؤولية ورمى بتداعياتها على الناس واستباح جنى أعمارهم ولعل معظم المسؤولين هم للأسف من عديد مجلسكم.
إن موافقتكم على تمرير هذا القانون سيكون بمثابة تشريع لسرقة العصر في أحدى أكبر الأزمات المالية في التاريخ الحديث، وعلى الرغم من تقاعص مجلسكم عن أي دور تشريعي فعال سواء خلال، او بعد الأزمة، فإن إستمراركم بهذا النهج وإستنسابيتكم بتمرير قوانين مشبوهة يطلق الرصاصة الأخيرة على مؤسسة مجلس النواب ودورها التشريعي الذي يجب أن يكون منحازا للشعب فقط، ويجعل منكم مجرمين فاقدين الشرعية وستحاسبون في الإنتخابات القريبة المقبلة من الشعب الذي خذلتم.
بناءً على ما تقدم نتوجه اليكم نحن رابطة المودعين بكتابنا هذا مفندين تجاهلكم المخالفات الكثيرة التي تعتري مسودة قانون الكابيتال كنترول المشوهة هذه:
أولاً: يكرس هذا القانون وخلافاً للدستور اللبناني ولكافة القوانين المرعية الإجراء التمييز بين المودعين وودائعهم عبر تشريع “الأموال الجديدة” والمفاضلة بينها وبين الودائع التي تحتجزها المصارف ويكرس بالتالي هذا القانون لبدعة حاكم المصرف المركزي في هذا المجال.
ثانياً: إن تحديد سقوف السحوبات هو من صلب قانون الكابيتال كنترول إلا أن مثل هذه السقوف لا يجب أن تترك للمصرف المركزي وحاكمه بحيث يقوم بتعديلها من وقت لآخر بحسب أهواءه فمن شأن ذلك أن يكمل النهج الساري أصلا في التعاطي منذ بدايات الأزمة ويفتح باباً للإستنسابية و التأويل، كما وأن فرض سقوف للسحوبات لابد أن تراعي حالة كل مودع بحيث لا تطال المودع الصغيرأو المتوسط كما الكبير، كما ولابد من تجنب المساس بحسابات الرواتب خاصة في ظل الوضع الإقتصادي المتردي الذي نعيشه.
أما لناحية حصر تسديد الودائع بالليرة على سعر صرف منصة صيرفة فإن هذه المنصة حتى اليوم تلفها الضبابية فلا نعلم كيف يتم تحديد سعر الصرف عليها ولا نملك أية كشوفات شفافة للتداولات التي يصدرها المصرف المركزي شهريا. عدا عن كل ذلك فإن سعر منصة صيرفة أدنى بكثير من سعر السوق مما سيؤدي لتكبيد المودعين اقتطاعات (هيركات) إضافي على ودائعهم غير تلك التي سبق أن منيوا بها بالتعميم 151.
ثالثاً: يعيد هذا القانون تجربة قانون الدولار الطالبي الفاشلة فيما يخص التحويلات إذ إن منعها مع بعض الإستثناءات التي يترك أمر تحديد شروطها وضوابطها والموافقة عليها للمصارف والمصرف المركزي وهنا لابد من تعداد بسيط للمخالفات الخطيرة التي يجب التصدي لها:
- إستثناء أموال السفارات والبعثات الدبلوماسية والمؤسسات والمنظمات الدولية دون سواها يعزز مبدأ التمييز بين المودعين فكثير من الجمعيات اللبنانية الخيرية لا تتمكن من سحب أموالها ومساعداتها الممنوحة وقد اوقف معظمها نشاطه لعدم قدرته على متابعة العمل وبالتالي فإن هذا التخصيص غير منطقي.
- بالنسبة للإستثناءات المشروطة فإن هذه الشروط يحددها مصرف لبنان بإستنسابية وقد تكون تعجيزية، كما وأن خرق السرية المصرفية للعميل بالشكل المطروح في مسودة القانون أمر مستهجن خاصة في ظل سيطرة المصرف المركزي و المصارف على أرقامها و تعاملاتها هي.
- ان ذكر بعض الإستثناءات على سبيل المثال لا الحصر دون تحديد أهمها على الأقل يشرع باب الإستنساب على مصراعيه ووضع شرط وجود حساب للعميل في الخارج أو حساب جديد في لبنان هو مدعاة للسخرية إذ أن هذه الحسابات قد تكون حاجة ملحة في العديد من الأحيان دون أن تكون تحتوي على أية مبالغ تذكر.
- ان إنشاء وحدة مركزية في المصرف المركزي لمتابعة ملفات طلبات العملاء ليس سوى تكتل جديد للمصارف تحت رعاية المركزي ليشوروا ويقرروا ويفعلوا ما يشاؤون دون ضوابط بحسب استئثارهم بهذه الضوابط.
- إن تنصيب المصرف المركزي قاضيا لقبول ورفض التحاويل إنما هو تطاول إضافي على المؤسسات خاصة وأنه سيتحكم بعمل الوحدة المركزية وبقراراتها، ولعل الإشارة إلى أن الإعتراض على قرارات الوحدة يتم أمام محكمة خاصة يتم إنشائها من قبل مجلس القضاء الأعلى في كل منطقة تكون قراراتها مبرمة غير قابلة للطعن هو خير دليل على نية مجلسكم عدم حصول هكذا إعتراضات إذ أن هذه المحاكم لن تبصر النور على شاكلة سابقاتها، علما أن في ذلك نسف للقضاء والمحاكم الموجودة أصلا وتغيير لمفهوم التقاضي في الدعاوى المالية بموجب القوانين السارية المفعول.
رابعاً: إن القانون المقترح يمنح لجنة الرقابة سلطة تطبيقه وملاحقة المصارف المخالفة، وهنا نسأل، عن أية لجنة رقابة تتكلمون فهذه اللجنة غير الموجودة ولو أنها مارست دورها الرقابي بحسب القانون لما وصلت المصارف لما وصلت إليه، وهي لجنة ميتة يحكمها حاكم مصرف لبنان ولم تتحرك لأخذ أي تدبير ولابد من محاسبة أعضائها عن التقصير الذي مارسوه طوال هذه السنوات ولازالوا.
خامساً: ينص القانون في مادته الثامنة على كونه قانون إستثنائي من النظام العام ويطغى على كل القوانين المرعية الإجراء ويطبق بمفعول رجعي على الدعاوى التي لم يصدر بها حكم مبرم في لبنان و الخارج، ولكن تناسى المشرعون هنا ذكر أي مصالح عامة يحميها قانون ساقط بهذا الشكل؟ فهذا القانون يتعارض مع الدستور اللبناني ومبدأ الملكية الفردية، وكيف يمكن لهذا القانون الإستثنائي أن يضرب بقانون النقد والتسليف وقانون الموجبات والعقود عرض الحائط ويغير مفهوم التعاملات المصرفية ويلغي كافة المفاهيم بدون أي خطة شاملة مرافقة له. كما ولا يمكن لقانون لبناني إستثنائي أن يتحكم بقرارات محاكم أجنبيةّ!
هذا غيض من فيض عجائب صيغة القانون المقترحة التي ستعرض عليكم في المجلس قريبا، والتي نعلم بأن مهندسيها وداعميها في المجلس كثر، وهم أكبر المستفدين من طمس حقائق مجازر المصارف ومصرف لبنان، ولكن ومع ذلك فإننا وفي ظل تعطل كافة مؤسسات الدولة نجد أنفسنا في رابطة المودعين ملزمين بمواجهتكم وحثكم على العودة إلى العمل التشريعي السليم في مجلس الشعب الذي أنتم وجدتم فيه لخدمتهم، وتصويب القانون الى مساره الصحيح والعمل على إحاطته بخطة مالية شاملة وشفافة وعادلة تقر قريبا لتوقيف النزف المستمر وإسقاط أية محاولات لتمرير قوانين عبثية تولي الجلّاد قاضيا على الضحية و إلا ستدخلون التاريخ من بابه العريض كنواب العار الذين شرعوا سرقة شعب وإعدامه.
تأسست رابطة المودعين في تشرين الثاني 2019 وهي تتألف من مجموعة ناشطين وصحفيين ومحامين يدافعون عن حقوق المودعين في المصارف اللبنانية. وقد دعت الرابطة دوما لخطة انقاذ مالية شفافة وشاملة وعادلة بموازاة تدقيق جنائي لمصرف لبنان، لأن مثل هذه الخطة سوف تعيد توزيع الخسائر بمساواة وتسائل الأشخاص المعنيين الذين سببوا أكبر انهيار اقتصادي في التاريخ القريب، كما ستعيد بناء الدين العام والقطاع المصرفي.
تنشط الرابطة في احتجاجات سلمية متعددة على أداء المصارف اللبنانية ومصرف لبنان والشخصيات العامة، وقد تقدمت الرابطة بدعاوى قانونية في لبنان والخارج كما اجتمعت بأعضاء من البرلمان ممن حاولوا التهرب من خطة الانقاذ المالية وقانون ضبط رأس المال، وسوف تستمر باطلاق حملات مناصرة للضغط من أجل الحقوق غير قابلة للتصرف.