بقلم د : ليلي الهمامي
يفخر تاريخ تونس الخضراء بـــ ” ابن رشيق القيرواني ” كأحد عمالقة الشعر في زمن الأدباء حيث تألق ابن رشد القيرواني في القيروان في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وترك لدارسي الأدب مجموعة نفسية من كتب البلاغة والترجمة والنقد ويعد أبو علي الحسن بن رشیق القیرواني من أفضل البلاغیین والناقدین والشعراء والأدباء في تاریخ الأدب العربي وحظيت آراء ابن رشيق القيرواني النقدية باهتمام واسع من لدن الدارسين و النقاد لا سيما و هو أهم نقاد المغرب العربي القدامى وقد استطاعت مؤلفاته في حينها أن تكتسب مكانة هامة لدى العرب عموما وهي مكانة لا تقل أهمية عن مكانة غيره من النقاد العرب القدامى الذين عاصروه.
وتشكل أعمال الشاعر واللغوي والبلاغي العربي أبو علي الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواني، والذي عاش في القرنين الرابع والخامس الهجريين، كنزًا معرفيا وثقافيا وفلسفيا للدراسين المتخصصين في النقد والبلاغة واللغة العربية قديمًا وحديثًا، ومن أشهر كتبه التي تمثل مراجع مهمة «العمدة في صناعة الشعر ونقده» ، و«قراضة الذهب» في النقد، و«الشذوذ في اللغة» و «أنموذج الزمان في شعراء القيروان» و«ميزان العمل في تاريخ الدول» و«شرح موطأ مالك» و«الروضة الموشية في شعراء المهدية» و«تاريخ القيروان» و«المساوي» في السرقات الشعرية، وجمع د.عبد الرحمن ياغي، ما ظفر به من شعره في ديوان تم نشره في بيروت.
تحدث في كتابه عن الشعر وعرفه، وجعل بابه الأول عن الشعر وعن فضل الشعر عن الكلام العادي، وتلاه الباب الثاني بالرد على من يكره الشعر، وهكذا أخذت تفصيلات الكتاب بأبواب حتى بلغت 107 باب، جميعها عن الشعر ونقده ومحاسنه، يتميز شرحه بالوضوح والسهولة والدقة، فرغم كثرة الأبواب إلا أنها سبيل للوصول الدقيق، والشرح الموجز البين الدقيق، كما لا يغفلنا بوجود فصول للبلاغة، وعرضه لكثير من القضايا البلاغية، وحده بين شعر الطبع والصنعة كانت الحدود الجديدة والفاصلة عما جاء عن سابقيه، مما ورد عن العلماء في الشعر، ووجود عدد ضخم من أبيات الشعر الجزلة للتقريب وكثير من المقطعات التي اشتهرت منه، وذكر قولًا مهمًّا؛ وهو: (عولت في أكثره على قريحة نفسي ونتيجة خاطري)، وهي أنه لم يتبع أحدًا في كتابه كان نسج نفسه، وذلك في تفصيله ودراسته للشعر وليس بوجوده وقضاياه، فكان ذلك الكتاب (العمدة) نورًا لمن جاء بعده تهديه إلى سبيل الصواب في الشعر.
ويذكر أن ” أبو علي الحسن بن رشيق ” والذي عرف لاحقا بالقيرواني نشأ وولد ، في عام 390 هـ، بمدينة المسيلة التابعة الآن لدولة الجزائر، حيث نشأ الطفل الرومي في كنف والده المملوك، الذي كان يعمل في صياغة الذهب تحت إمرة مالكه كان الأب يرغب في أن يلتحق ابنه بنفس صنعته، لذا قام بتعليمه كيفية إتمام مهام هذا العمل، إلا أن الابن الصغير كان يرغب في تعلم الشعر فحسب، وخاصة وأنه أظهر موهبة كبيرة منذ الصغر. لم يجد ابن رشيق أزمة في كتابة أشعار المدح في الحكام، لذا فمع قيامه بتأليف القصائد عن المعز بن باديس، حاكم مدينة القيروان في هذا الوقت، فإنه حصل على مكانة مختلفة هناك، وخاصة مع بزوغ موهبته التي لا يمكن إنكارها، قبل أن تتوطد العلاقة بينه وبين رئيس ديوان الإنشاء بالقيروان، ويكتب عنه كتاب العمدة في محاسن الشعر ونقده وآدابه، ليتولى فيما بعد شؤون الكتابة المتصلة بالجيش .
اتسمت أشعار ابن رشيق القيرواني بالبساطة التي كانت تصل بسهولة إلى محبيه، حيث كان دائم الاهتمام بصياغة المعاني والصور البديعة، وكذلك بحسن التناغم بين المرادفات. كتب عن ابن رشيق القيرواني يملك ابن رشيق سجلا غنيا من الكتب التي ألفها، حيث يعد كتاب العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه من أشهر مؤلفاته، تماما مثل كتاب أنموذج الزمان في شعراء القيروان، والذي تناول فيه حياة وشعر نحو 100 أديب معاصر. كذلك ألف ابن رشيق كتاب النظم الجيد وكتاب طراز الأدب وكتاب أرواح الكتب، إضافة إلى كتاب قراضة الذهب الذي تناول فيه قضية السرقة في الشعر والمعاني، ليفرق ما بين إمكانية الاستعارة أحيانا، وبين السرقة واضحة المعالم والمرفوضة. ، كما ألف أيضا كتاب الرياحين وكذلك كتاب الأسماء المعربة. وفاة ابن رشيق القيرواني عاش ابن رشيق في القيروان لسنوات طويلة، حتى تعرضت لهجوم قوي من جانب بعض القبائل العربية، الأمر الذي دعاه إلى تركها والذهاب إلى مدينة المهدية، قبل أن يشد الرحال من جديد إلى جزيرة صقلية وتحديدا مدينة مازر. في عام 456 هـ، رحل ابن رشيق القيرواني عن عالمنا عن عمر يتجاوز الـ60 ببضع سنوات، بعد أن كتب اسمه بحروف من نور في تاريخ الأدب والشعر، ليظل في ذاكرة الكثيرين حتى بعد رحيله بمئات السنين.