قال الدكتور وسام حسن فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، إنه لا تزال المؤسسات المالية والمصارف الأكثر استهدافاً لمرتكبي الجرائم، وعلى رأسهم غاسلي الأموال، الذين يسعون دوماً وبشكل حثيث إلى إجراء سلسلة من العمليات المصرفية البسيطة أو المركّبة، بهدف إخفاء مصدر المال القذر، ودمجه بالمال النظيف المشروع، لإعطائه صفة المشروعية.
وأشار إلى أن الخدمات والمنتجات المصرفية التي تتطور وتتشعب وتتعقد باستمرار، قد تتيح المزيد من الفرص لمرتكبي الجرائم المالية والجريمة المنظمة والاعمال المالية غير المشروعة، والذين يسخِّرون كلّ طاقاتهم للتمكن من الولوج إلى النظم المصرفية للدول.
وأكد أمين اتحاد المصارف، أنه في المقابل، فكما أن المصارف هي الأكثر استهدافاً لتنفيذ الجرائم المالية وغسل الأموال، فهي في الوقت نفسه الوسيلة والأداة الرئيسية، وخط الدفاع الأول لمكافحة هذه الجرائم، شرط أن تمتلك المصارف الموارد والخبرة والمعرفة الكافية والعميقة بالآليات والقنوات لمكافحة عمليات غسل الاموال أو تمويل الإرهاب.
وصرح بأنّ هذه الآليات والقنوات ليست بسيطة وثابتة، بل متغيرة ومتطورة ومعقدة في الغالب، ولا ننسى بأنّ للمجرمون لديهم خبرة ومعرفة مالية ومصرفية عالية، لذلك يحتاج كشفها ومكافحتها إلى خبرات كافية ومتطوّرة من المصارف قادرة على مواجهة هذه العمليات.
ولفت إلى أن الجلسة العامة الثالثة لمجموعة العمل المالي (FATF) برئاسة راجا كومار من سنغافورة، التي اختتمت أعمالها نهاية الشهر الماضي وقد شارك في هذه المناقشات في مقر مجموعة العمل المالي في باريس مندوبون من أكثر من 190 دولة، إضافة إلى مراقبين من عدة منظمات دولية. أعاد المشاركون التشديد على أن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية تتطلب استجابة عالمية وتظافر الجهود من أجل درء المخاطر الناجمة عن الجرائم المالية المتعددة من جهة، وحماية نزاهة وسلامة القطاع المالي من جهة أخرى.
وأضاف أنه لهذا السبب من الأهمية بمكان أن تتخذ جميع البلدان المنضوية تحت مجموعة العمل المالي إجراءات جماعية متشددة لمواجهة هذه المخاطر.
وأوضح أن نتائج هذه الجلسة اكتسبت أهمية خاصة كونها تطرقت الى أمور متعدّدة تتعلق بإجراءات الإمتثال ومكافحة تبييض الأموال في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اوروبا، وأفريقيا الوسطى، وتمّت إضافة كل من كرواتيا، كاميرون، وفيتنام الى اللائحة الرمادية نتيجة القصور الاستراتيجي في بعض المعايير. (بالمناسبة استطاع لبنان تجنّب القائمة الرمادية بالرغم من الصعاب والتحديات العديدة التي ترخي بثقلها على القطاع المصرفي).
ومن ناحية أخرى، تم إطلاع أعضاء مجموعة العمل المالي على التقدّم المحرز في العمل الجاري، بما في ذلك المشاريع المتعلقة بإساءة استخدام الجنسية والإقامة من خلال خطط الاستثمار (Golden Passports/Residency)، وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب المتعلق بالاحتيال الإلكتروني، واستخدام التمويل الجماعي (Crowd funding) لتمويل الإرهاب.
كما ناقشت الجلسة العامة التعزيزات المحتملة للتوصيتين 4 و 38، لجهة تزويد البلدان بتدابير قانونية أقوى لتجميد وضبط ومصادرة الممتلكات والأصول الناتجة عن اموال إجرامية غير شرعية.
جهود الدول العربية في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب..
الإمارات
ويوضح تقرير المتابعة الصادر عن مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) التقدّم الذي أحرزته دولة الإمارات العربية المتحدة في جهودها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى أن المجموعة رفعت تصنيف الإمارات بخصوص ثلاثة توصيات من توصيات مجموعة العمل المالي (FATF) وهي التوصيات رقم 1، 19 و29، ما يدلّ على تحسن مستوى الامتثال للإجراءات المتخذة لمكافحة الجرائم المالية. وبالنتيجة، تم تصنيف 39 توصية من إجمالي 40 توصية بأن دولة الإمارات العربية المتحدة تتوافق معها بشكل كامل أو تتوافق معها إلى حد كبير. ويعتبر هذا التقدم بارزاً، خصوصاً وأن الإمارات كانت قد تم إدراجها في القائمة الرمادية التي أصدرتها مجموعة العمل المالي والتي تتضمن الدول التي تتطلب مراقبة مكثفة (منذ التقييم المتبادل لعام 2020).
وهذا يعكس تبني الإمارات الــ (risk-based approach) لتحديد وتقليل مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب (التوصية رقم 1)، وتطبيق الإجراءات المتقدمة للحذر (enhanced due diligence) في التعاملات المالية المتعلقة بالافراد والمؤسسات المالية للدول التابعة لمجموعة العمل المالي (التوصية رقم 19)، بالإضافة إلى إنشاء وحدة معلومات مالية مستقلة (Financial Intelligence Unit) لتقديم تقارير حول المعاملات المشبوهة (التوصية رقم 29).
وفي الربع الأول من العام 2023، فرضت الإمارات غرامات تقدر بأكثر من 115 مليون درهم (31.3 مليون دولار) في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يشكل زيادة كبيرة مقارنة بالعام السابق، وكذلك فرضت غرامات تجاوزت الـ 160 على 76 كيانًا، كما تم تجميد أصول تجاوزت قيمتها 925 مليون درهم في الفترة بين نوفمبر 2022 وفبراير 2023. وتؤكد هذه الإجراءات على التزام الإمارات القوي بتعزيز نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
قطر:
لقد أثنت كل من مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) على جهود قطر المستمرة والقوية في مجالات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتم التوصل إلى هذا الاستنتاج بعد تقييم شامل، أظهر أن الدولة تتوافق مع التوصيات الـ 40 بشكل كامل أو إلى حد كبير. تعتبر هذه الخطوة مؤشرًا قويًا على الإطار القانوني والمؤسسي الراسخ في قطر، وتميزها كأول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحقق مستوى الالتزام المرتفع هذا.
علاوة على ذلك، فقد أبرز النظام المالي القطري فعالية متميزة في مجموعة من القطاعات، تشمل تقييم المخاطر، والرقابة على القطاعات المالية وغير المالية، ومصادرة أموال الجرائم. وفي هذا الصدد، أكد بنك قطر المركزي على التزام الدولة بمواصلة تحسين نظامها وفقاً لأفضل الممارسات والمعايير الدولية.
المغرب:
أعلنت مجموعة العمل المالي (FATF) رسمياً في شباط/فبراير 2023 عن إزالة المغرب من القائمة الرمادية التي تم إدراجها فيها في فبراير 2021. جاء القرار بالإزالة تثميناً للتقدم الملحوظ الذي حققته المملكة في تعزيز جهودها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وأشادت مجموعة العمل المالي بتحقيق المغرب لخطط العمل التي وضعتها، مما أدى إلى تحسينات كبير.
وبحسب المجموعة، فأن المغرب تغلب على القصور التقنية لتحقيق التزاماته وفقًا لخطة العمل حول النقائص الاستراتيجية التي حددتها المجموعة في فبراير من الأعوام 2019 و2021.
ويأتي قرار الإزالة من القائمة بعد التزام المغرب بالعمل مع كل من مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) لتعزيز فعالية نظامه في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يعكس الدور القيادي للمغرب في تعزيز الشفافية المالية.
الاردن
منذ أكتوبر 2021، حينما أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية عن تعهدها السياسي الرفيع للتعاون مع المجموعة المالية الدولية للعمل (FATF) والمجموعة الشرق الأوسط للعمل المالي (MENAFATF) لتقوية فاعلية نظامها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، قامت المملكة بتحقيق تقدم ملحوظ في تعزيز نظامها المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك من خلال تنفيذ عمليات تفتيش للكيانات المطلوب الإبلاغ عنها. بالإضافة إلى متابعة التحقيقات حول غسل الأموال وتوجيه الاتهامات بالجرائم، وإجراء أنشطة للتوعية بشأن الالتزامات المتعلقة بإجراءات الحظر المالي ونقل الأموال.
من الضروري أن تواصل المملكة جهودها لتنفيذ خطة العمل الخاصة بها لمعالجة القصور الاستراتيجي، مما يشمل: (1) إنهاء ونشر تقييمات المخاطر المرتبطة بالأشخاص القانونيين والأصول الرقمية؛ (2) تطبيق عقوبات فعّالة ومناسبة ورادعة لحالات عدم الامتثال؛ (3) إدخال آلية للعقوبات للمخالفات المتعلقة بالتزامات الشفافية للأشخاص القانونيين؛ (4) فرض عقوبات فعّالة ومناسبة ورادعة في حالات غسل الأموال؛ و(5) تقديم أدلة على تصحيح القصور في إجراءات الحظر المالي ونقل الأموال.
لبنان:
أبرز التقرير الصادر عن مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) الالتزام الجزئي للبنان بعدة مجالات، تشمل مكافحة غسل الأموال، توفير الشفافية بخصوص ملكية الشركات، وتقديم المساعدة القانونية المتبادلة فيما يتعلق بتجميد الأصول ومصادرتها.
بالرغم من ذلك، أظهرت النتائج أن لبنان على حافة الانزلاق نحو القائمة الرمادية.
من أجل التغلب على هذه التحديات، سيتعين على لبنان اتخاذ إجراءات تصحيحية لعلاج النواقص المحددة، وعرض تقرير تقدم (Progress Report) على MENAFATF في عام 2024. الاستجابة الملائمة من لبنان قد تحدد مستقبل سمعة البلد المالية على الصعيد الدولي وقدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية.
وتابع أن اتحاد المصارف العربية يولي موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أهميّة بالغة، حيث يخصّص حيّزاً مهماً من نشاطاته للإضاءة على هذه الآفة الخطيرة، ويقوم في إطار التعاون القائم بينه وبين المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، بعقد المنتديات والمؤتمرات والملتقيات، ومن ضمنها الملتقى الذي نفتتح أعماله اليوم.
وأكد أن الهدف الرئيسي من هذه النشاطات والفعاليات هو تبيان التطورات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعرّف على القواعد الدولية الجديدة في هذا المجال. ونحرص على التعاون القائم بين القطاع العام والخاص – بما فيها التعاون مع المؤسسات الأمنية العربية بهدف حماية القطاع المصرفي العربي والحفاظ على العلاقات بين المصارف العربية والمصارف المراسلة.
نقلاً عن موقع بوابة أخبار اليوم الإلكتروني