يواجه لبنان أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية والمالية في التاريخ المعاصر، ما تسبب بزيادة انتشار الفقر وتفاقم هجرة الأدمغة والشباب. أمام هذا الواقع، تطلق اليوم وزارة الاقتصاد والتجارة، بدعم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، مشروعاً لوضع خطة تشغيلية لإعادة إحياء الاقتصاد اللبناني، خلال حدث نُظِّم في بيت الأمم المتحدة، بحضور عدد من الوزراء والشخصيات الرفيعة المستوى من سفارات أجنبية في بيروت وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية ومحلية.
في حين أن الإصلاحات الأساسية ضرورية لإنعاش الاقتصاد في البلاد، تسعى الخطة إلى تحديد إجراءات قصيرة الأمد في قطاعات أساسية لبدء الانتعاش الاقتصادي وذلك من خلال إيجاد فرص عمل ومصادر دخل إضافية بوتيرة سريعة. في هذا الصدد، أعطت الوزارة الأولوية لثلاثة قطاعات رئيسية، هي قطاع الأعمال الزراعية والسياحة والاقتصاد الرقمي، لأنها تُظهر إمكانات للنمو على الرغم من الظروف الراهنة.
في كلمته، قال وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام إنّ ما من سيناريو سهل للتعافي الاقتصادي، وقال إنّ الوزارة عليها اختيار الأقلّ إيلامًا. وأضاف: “نحن نبحث عن بصيص أمل لينير هذه الظلمة. الخطة المقدّمة اليوم يمكن تطويرها وتحسينها والتعديل عليها، ولكن الأهمّ، يمكن تحقيقها”.
وقد تقلّص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 25% في عام 2020، وبنسبة 16.2% في عام 2021. لكن تتوقّعت الإسكوا نموًّا إيجابيًا لعام 2022، الأمر الذي ستعتمد عليه الخطة لتعزيز الإنتاجية والتنافسية؛ وتحسين بيئة الأعمال لاستقطاب رؤوس الأموال الجديدة؛ وإيجاد المزيد من فرص العمل للشباب. وتربط الخطة هذه الأهداف بإجراءات قصيرة ومتوسطة الأجل تضمّنتها خطط التنمية الوطنية والقطاعية التي وضعتها الحكومة اللبنانية ودعمتها منظمات دولية في السابق.
وفي كلمتها، ذكرت الأمينة التنفيذيّة للإسكوا رولا دشتي أنّ الإسكوا ستقدّم الدعم للوزارة في إجراء التحليلات، ووضع مؤشرات لقياس الأداء، وإشراك الجهات المعنية، وضمان تعزيز التواصل بشكل استراتيجي حول الخطة. وأضافت: “رغم أنّ الإصلاحات الجذرية أساسيّة، لا يملك الشعب اللبناني ترف انتظار النتائج الطويلة الأمد، بل هو بحاجة لمكاسب سريعة”.
وعلى غرار سائر قطاعات الاقتصاد اللبناني، تواجه القطاعات الثلاثة المستهدفة تحدّيات جسيمة، بما فيها انخفاض الإنتاجية والمنافسة وعدم كفاءة سلاسل القيم في قطاع الأعمال الزراعية؛ وضعف الاستثمارات في البنى التحتية للضيافة في القطاع السياحي؛ وضعف البنى التحتية الافتراضية والمادية للاقتصاد الرقمي. لمواجهة هذه التحديات، ستضع الخطة تصوّرًا لمبادرات وإصلاحات تشريعية وتنظيمية لتعزيز القدرة التنافسية للبلد والثقة الدولية فيه.
من جهته، أشار مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد بو حيدر إلى الخطط والاستراتيجيات التي سبق أن وُضِعَت، وكانت قائمة على الأدلّة ومعتمِدة لمقاربة شاملة لموضوع التعافي، إلاّ أنّها غضّت الطرف عن جزء أساسيّ من نجاح أيّ استراتيجية ألا وهو التنفيذ. ودعا إلى الاستفادة من هذه الخطط السابقة والدروس المستفادة لوضع نموذج تشغيلي متين يضمن تحقيق الأهداف.
ستدعم الإسكوا من خلال هذا المشروع الوزارة في تقييم تأثير السياسات المختلفة على الاقتصاد، وتحديد مؤشرات لقياس الأداء، ومواءمة الميزانيات مع الخطط، ودعم عملية بلورة منظومة الرصد والتقييم. والهدف النهائي من المشروع هو العمل على إعادة بناء اقتصاد منتِج ومبتكر وتنافسي وتمكيني يدعم التعافي من الأزمة الحالية بحلول عام 2025 من خلال الإصلاحات المقترحة في القطاعات الثلاثة المستهدفة.