كرّمت مؤسّسة الطوارئ بالتعاون مع المركز الفرنسي في طرابلس وبلدية الميناء الأديب النهضوي فرح انطون “١٨٧٤-١٩٢٢”، في حفل اقيم في فندق “فيا مينا” في ميناء طرابلس، بمناسبة اليوبيل المئوي للأديب الراحل.
حضر الحفل سامي رضى ممثلاً النائب كريم كبارة، والقائمة بأعمال بلدية الميناء القائمقام ايمان الرافعي، ورئيسة مؤسسة الطوارئ مايا حبيب حافظ، وسعادة السفير الدكتور خالد زيادة، وعميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسورة مارلين حيدر، ومديرة جامعة القديس يوسف في الشمال فاديا علم الجميل، والدكتور أدونيس العكره، والمخرج جان رطل، ومديرة ثانوية راهبات القلبين الاقدسين في طرابلس جورجيت ابو رجيلي، ومدير ثانوية سيدة بكفتين بشارة حبيب، ورئيس جمعية اللجان الاهلية في الشمال سمير الحاج، والابوين ابراهيم سروج وبشارة ايليا، ورئيس دائرة الهندسة في بلدية الميناء المهندس عامر حدّاد، إضافة إلى حشد كبير من الفعاليات السياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية والدينية والشعبية وأهالي وأحفاد الأديب “فرح أنطون”.
البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناني، ثم كلمة لعريف الاحتفال الناشط الثقافي ابراهيم توما الذي عرض مسيرة الاديب الراحل.
مايا حبيب حافظ
تطرّقت رئيسة مؤسّسة الطوارئ إلى هذه المناسبة بالقول “إيمانا منا بتكريم المبدعين والمثقفين والادباء وتنظيم نشاطات ثقافية وبيئية واجتماعية ورياضية والوقوف الى جانب أهلنا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها وطننا، نكرّم اليوم اديبا من مدينتنا رفع اسم لبنان في المحافل العربية والغربية وهو الاديب فرح أنطون” وأضافت “هو صحافي، وروائي، ومسرحي، وكاتب سياسي واجتماعي، ورائد من رواد حركة التنوير في العالم العربي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. اشتهر بدعوته للتسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين، وكان اشتراكي التوجّه”.
وأردفت حافظ “أراد أنطون أن ينشر في الشرق العربي النظريات العلمية والفلسفية الغربية باعتبارها نظريات حيادية موضوعية عالمية، رغم نسبيتها وذاتيتها وارتباطها بتجربتها التاريخية إلى حد كبير؛ لذلك فإنه حتى عندما تناول التراث العربي والإسلامي جاء تناوله انتقائيِّا، حيث إن علمية النص التراثي عنده تتوقف على مدى اقترابه أو ابتعاده من النص الغربي (المعياري)؛ لذلك أثارت كتابته تحفّظات كثير من الناس”.
وأكملت “تحتفل مؤسسة الطوارئ اليوم بالذكرى المئوية للأديب النهضوي فرح أنطون ابن مدينة الميناء طرابلس، وتلميذ معهد بكفتين” معتبرة أنّه “مثال اللبناني الذي نحب ونفتخر به، هذا هو المواطن اللبناني الذي يرفع اسم وطنه عاليا من خلال فكره وأدبه وثقافته. فالثقافة هي الميراث الذي يحّدد معالم تاريخنا كشعب ويضيئ ويرسم مستقبلنا، ونحن نتحدث دائمًا عن الثروة الثقافية التي تميّز الشعوب والأوطان”.
وأكملت “اسمحوا لي الآن أن أسلّط الضوء على أهمية هذا الحدث الثقافي، اليوم في مدينة الميناء -طرابلـس. طرابلس مدينة العلم والعلماء مثل فرح أنطون، هي اليوم منسية، مهملة ومظلومة، لكننا موجودين لنقدّر ثرواتها الثقافية، وتاريخها الغني المفعم بالحضارات”.
وتابعت حافظ “سنحمل هذه الثقافة الغنية كدرع بوجه الاشاعات التي تصنّف طرابلس كمدنية للإرهاب، بوجه الصورة المشوّهة التي تضر بمدينتنا، بوجه كل من يحاول إسكاتنا وإحباطنا”. واختتمت بالقول “كل هذه الأسباب جمعتنا اليوم، وستجمعنا في المستقبل مرات عديدة في طرابلس حول الثقافة والفنون والرياضة والحضارة. هكذا نقدّر تاريخنا، ونتعلم كيفية بناء مستقبل أفضل في وطينا لبنان، ثقافتنا هي خلاصنا”.
العميدة البروفسورة مارلين حيدر
تناولت عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الفكر الاجتماعي عند فرح أنطون، الذي كان “مدرسًا، وأديبًا، وصحافيًا مستنيرًا، لديهِ رسالةٌ ومسؤوليةٌ اجتماعية قلّ نظيرُها، تُجاهَ أبناءِ مجتمعهِ وأُمتهِ. فهو الذي غالبًا ما ردد: “إنّ مهنة الثقافة والتثقيف هي كُلُّ ما أصبو اليه يا أبي”. مشيرة إلى “أنّ هذه السماتِ العامةَّ التي ذكرناها حتى الآن عن فرح أنطون، تُظهرُ بأننا أمامَ شخصيةٍ ثريةٍ، يتعذرُ علينَا ان نُعطيها حقَها بمداخلةٍ قصيرة في نطاق فكره الاجتماعي الذي هو مفتاحُ التغييرِ الثقافي الذي أرادَهُ في زمانه. كما إنّه من الضروري أن نعي بأنه لا يمكنُنا أن نفهمَ ثقافةَ فرح أنطون إلاّ من خلالِ وضعِها في سياقها التاريخي، وفهم الضغوطات الثقافية التي عاشها أديبُنا في زمانه والمختلفة كليا عن ضغوطات زمننا”.
وأضافت البروفسورة حيدر “نقول بأنه ليس بالأمر السهلِ أن يُوصَفَ، شخصاً بعصره، كأحدِ طلائعِ الفكرِ العلماني في هذا الشرق، وكأبِ النهضةِ الفكرية، وكمصلحٍ اجتماعي الخ..”، معربة أنّ أنطون “حمَّلَ نصوصَه رؤيةً طموحةً طالتْ بناءَ “مجتمعٍ انسانيٍ متطورٍ تسودُهُ القيمُ وتحكمُهَ القوانين، ويسمحُ لمن يقرأُه ان يراهُ من زاويةِ تطلعاتِه الذاتية او الشخصية”. وأعربت أنّها ستكتفي “بالإضاءة على بعضِ الأبعاد المرتبطَة بمبدأ المساواةِ في المواطنة، وبالتنشئةِ الاجتماعية الأسرية والتربوية (بما فيها حق التعليم) وهي كلهُّا من القضايا والحقوقِ الاجتماعيةِ التي عبّر عنها ونادى بها في زمن كان يصَعبُ فيه تناولُ تلكَ المَسائل”.
ومن هذه المسائل “المساواة في المواطنة، إذ كان همُّهُ السياسي والاجتماعي تكوينَ مشرقٍ عربيٍ مُمَيز، قائِمٍ على فكرِ العلمنة، أي فصل الدين عن الدولة الذي هو برأيه أمَرٌ جَوهرِيٌ لتحقيقِ المساواةِ بين المواطنينَ بكافة أطيافِهم وطوائفِهم”. معتبرًا أنّ “المجتمعَ الصالحَ يقومُ على مساواةٍ مطلقة بين جميعِ أبناءِ الامة، تتعدَى الفروقَ في الاديان وتتخطى النوع. فالدولةُ في نظرِ فرح انطون يجبُ أن تقومَ على الحريةِ والمساواة، ويجبُ أن تتوخى بقوانينِها وسياستِها السعادةَ في هذه الدنيا والقوةَ الوطنية والسلمَ بين الامم، ولا يُمكنها ان تحققَ ذلك، إلاّ إذا كانت السلطةُ العلمانيةُ مستقلةً عن ايّ سلطةٍ أخرى”.
وبيّنت البروفسورة مارلين حيدر أنّ فرح أنطون “أفسح للتنشئةِ الاجتماعيةِ مجالاً كبيرًا في كتاباته كما فعلَ بخصوص الفكرِ العلماني والدولة ومفهومِ المساواةِ في المواطنية. مشيرة إلى أنّ قضايا المرأة قد شكلت جزءا أساسيا من فكرِه. فتعليمُ المرأةِ وتحريرُها وتوجيهها بما ينسجمُ مع دورِها البيتي والاجتماعي والإنساني على حدٍ سواء. معتبرًا أن إصلاحَ المجتمعِ وإنهاضِه لا بُدّ وأن يشتَمِل على ترقيةِ المرأةِ، وتهذيبِها، وتحسينِ أوضاعِها الاجتماعية، واخراجِها من تَخلُّفِها وجَهلِها وعُبوديَتِها”.
كما أنّ أنطون “آمنَ بضرورةِ التصدّي للمعضلاتِ الاجتماعية بمواضيعها المعقّدةِ والمرتبطةِ بـتعليمِ المرأة، وخروجِها الى العمل، والزواجِ المبكر، وإباحةِ الاختلاط، والحدِّ من الطلاق، وتعددِ الزوجات الخ. موقنًا أن تحسينَ أوضاعِ المرأةِ في الشرق هو المدماكُ الأساسي في ايِّ مشروعٍ نهضويٍ حقيقي.
السفير الدكتور خالد زيادة
تحدّث السفير زيادة عن حياة فرح انطون اللبناني في مصر والقاهرة، وقال: “إن اللبنانيين كانوا يغادرون لبنان هربا من القمع والتضييق على الحريات، وهذا غير صحيح برأي أنطون فرح حسبما يذكر الباحث مارون عيسى الخوري”. وتابع “كان فرح أنطون عثماني الولاء، فهو مع الدولة العلية متحدة، وفي درء مطامع الغرب وروسيا عنها وليس في تاريخ الجامعة ما يدل من قريب أو بعيد على تقلّبه السياسي”. معربًا أنّ “فرح لم يبدأ من الصفر، فقد أتقن الفرنسية في مدرسة بكفتينن، وكان قارئًا نهمًا تعرّف إلى الأدب والفكر الفرنسي، وبعد أن انصرف عن العمل مع والده في تجارة الأخشاب، أسّس جمعية أدبية، وراسل مجلة ” المقتطف”، لكنّه وجد أن المجال ضيق لإطلاق أفكاره وترجمتها إلى كتابات.
ولفت د. زيادة إلى أنّ فرح أنطون كان يكتب المقالات وهي خلاصة أفكاره التي كوّنها من خلال قراءاته وخصوصًا رينان وماركس. فكان مذهبه الديني متأثّرًا بالمفكر رينان، أما أساتذته الكبار فكانوا: روسو وفولتير وكومت وداروين ونيتشه وماركس وابن رشد وابن حنبل والغزالي وعمر الخيام وغيرهم”. مضيفًا أنّ “فرح أنطون كان في اشتراكيته وتأثّره منحازًا إلى العمال، وهذا ما نجده في رواياته ومسرحياته. كما نجده في مقالاته”. وبذلك “مثّل فرح أنطون صوتًا مميزًا، وموقفًا دون أبناء جيله من المصريين فيما يتعلق بالموقف من الدين .. ويفسّر بعض الباحثين ذلك بتأثر فرح أنطون بالأفكار التي سادت في أوروبا في القرن الثامن عشر فتزعّم اتجاهًا علمانيًا يتصور أنّ الدين يعيق العرب من النهوض إلى مستوى الحضارة الغربية”.
وختم السفير زيادة مداخلته بقوله “اندمج فرح أنطون في الحياة المصرية، وأصبح من مؤيدي الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل. وجعل النضال ضد الاستعمار الإنكليزي قضيته، إلى الحد الذي تسبّبت فيه مقالاته بإقفال العديد من الصحف. ومع ذلك لم يهادن ولم يتراجع، وحين اندلعت الثورة المصرية عام 1919، مفاوضة الإنكليز، بزعامة سعد زغلول أصبح من مؤيدي حزب الوفد”.
المخرج جان رطل
تحدّث المخرج رطل، عن الشق المسرحي لفرح انطون ذاكرًا أنّه وبعد انتقاله إلى مصر توجّه للعمل المسرحي ترجمة واقتباسًا وتأليفًا. حيث كتب مقالاً مطوّلاً في مجلة الجامعة، مفاده أنّ فن التمثيل مقياسًا لتمدّن الامّة، وعناصره ثلاثة: الجمهور، الكتّاب والفرق المسرحية. مشيرًا إلى أنّ أولى مسرحيات فرح أنطون “البرج الهائل” مُقتبسة عن ألكسندر دوماس الأكبر، وقد عُرضت أول مرة في تشرين الأول عام ١٨٩٨ قبل إصداره مجلة الجامعة بأربعة أشهر، وبعدها توقّف عن كتابة المسرحيات ثمّ بعد احتجاب مجلته سنة 1910 عاد للكتابة المسرحية.
كما قدّم الدكتور أدونيس العكره مداخلته التي طالت “التسامح في فكر فرح أنطون، كمفهوم نهضوي تجاوزته الحداثة. وتخلّل الاحتفال عرض وثائقي عن الأديب النهضوي فرح أنطون.