نحنُ أمامَ نِتاجِ مفكّرٍ عميقٍ نقَلَنا إلى عوالمَ شتّى، فكيفَ لي أن أحدّدَ ضمنَ سطورٍ قليلةٍ، أبعادَ مئاتِ الصفحاتِ التي طالت مبانٍ اجتماعيةً، وعقائديةً، وفقهيةً، وقانونيةً، وسياسيةً وإنسانيةً وعلى غيرِ مستوى.
نعرفُ أنَّ أهميّةَ المناظراتِ بالإجمالِ تكمُن في أنَّها تفتَحُ ملفّاتٍ لا يزالُ لها وقعُها الذهنيُ في الحاضرِ التائهِ في تحديدِ خِياراتِ سالكيها. والمسألةُ تتمحورُ طبعًا حول ” كيفَ نقرأ”؟ و”كيف تُستنبَطُ الآراءُ ممّا نقرأ؟ ..
يَفتَحُ د. شعبان في كتابه هذا بابَ التفكيرِ على مِصراعيهِ أمامَ مواضيعَ وقضايا حسّاسةٍ، جاذبةٍ وشائكةٍ في آن.
إبحارٌ في فكر كانط .. وهوبز .. وديكارت .. وغوشيه .. و دوستوفسكي .. وماركس كما السيد محمد باقر الصدر والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والمرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله وغيرِهِم ممّن قاربَ وساجلَ مع طروحاتِهِم المفكّرُ العربي د. عبد الحسين شعبان بجرأتِهِ المعهودة، عبرَ مناظراتٍ أقلُ ما يقالُ عنها، إنّها جِدّيةٌ وعميقةٌ تمتازُ بقوَّتِها وحيويتِها.
نحن من دونِ شكٍ، أمام كتابٍ موسوعيٍ على هيئةِ صاحبِهِ الموسوعيّ؛ كتابٍ يختلفُ عن إصداراتٍ مماثلةٍ ربما أتت قبلَهُ، إن لِخصوصيةِ الكاتبِ المَعرفيةِ من جهة، من حيثُ نشأتُهُ النجفيةُ التي ساعدتهُ على خوضِ غِمارِ موضوعاتِ كتابِهِ بتمكُّن، أو بموسوعيَّتِهِ المشهودِ له بها في غيرِ ميدان، كما بموقعِهِ الذي حاكهُ بفكرهِ وبجرأتهِ المطبوعةِ في شخصيتهِ وأسلوبهِ الراقي والعميقِ، المعتادِ على ترسيخِ مبدأِ التنوّعِ الفكريِ والمجتمعيّ. أضف إلى ذلكَ، خصوصيةَ المناقشاتِ التي ارتقت لتطالَ مستوياتٍ فلسفيةً وسوسيولوجيةَ بخلفيةِ المفكرِ الموسوعيِ من جهة، ومقاربةِ الفقيهِ الدينيِ من جهةٍ مقابلة.
صحيحٌ أنّ بعضَ ما تميّزَ به هذا الكتابُ ارتكز على سِعةِ اطلاعِ الدكتور شعبان على الفِكرِ الدينيِ وممارسةِ طقوسهِ من الداخلِ والخارج. إذ قاربَ موضوعاتِهِ، وكأنّه داخلَ المؤسسةِ الدينيةِ العارفُ بخفاياها وخباياها، كما نِقاطِ قوّتِها ونِقاطِ ضَعفها، وهو الباحثُ ذو الفكرِ اليساريِ المعروفِ بآرائهِ واتجاهاتِه.
قد يقولُ البعضُ هنا، إنّها جرأةُ الكاتبِ التي اعتدنا على خوضِها معه، وهو حتمًا أمرٌ لا نقاشَ فيه، ولكنَّني معَ هذا الكتابِ أراها أيضًا جرأةً متأتيةً على لسانِ أحدِ الفقهاءِ المشهودِ لهم في الدين (آيةِ الله السيد أحمدِ الحسني البغدادي) الذي استجابَ لخوضِ هذه المناظراتِ بموضوعاتِها الإشكاليةِ والحسّاسة، ما زادَها قيمةً معرفيةً بدلالاتٍ لافتة. ليسَ أقلَّها إطلاقُ هذه المناظراتِ، من قلبِ مدينةِ النجفِ التي تُعتبرُ العاصمةَ الدينيةَ في العراقِ وبعضِ دولِ العالمِ الإسلاميِ، المتمثّلةَ بعرضِ أفكارِ الفقيهِ السيّد البغدادي مع ابنِ النجفِ صاحبِ الفكرِ الموسوعيِ المتنوّعِ والمنفتحِ على الحِوارِ، رغبةً منهُما في الخروجِ من حالِ التخبّطِ والجمودِ، وهو يحمِلُ ما يحمِلُ من دلالات.
ما استوقفني في إصدارِ “دينُ العقلِ وفقهُ الواقع” ليس فقط أبعادَ هذهِ المقاربةِ التي ربما تحصُلُ ولأولِ مرّةٍ في الواقعِ الثقافيِ العراقي، وربما الإسلاميِ عموماً، من ناحيةِ “النقدِ والنقدِ الذاتيِ لرجالِ الدين” وهو أمرٌ من الأهميةِ بمكان. وإنّما استوقفني هذا الكمُ من الموضوعاتِ التي تنطوي في كلِ منها على طائفةٍ من القضايا والمفاهيمِ التي تحتاجُ إلى أبحاثٍ ونقاشاتٍ تطالُ في العمقِ مسألتَيِ الإصلاحِ والتجديدِ في الدينِ وتحديدًا في الفقهِ الشيعي.
إلاّ أنَّ السؤالَ الذي يتبادرُ إلى أذهاننا: من أينَ يبدأُ هذا الإصلاح؟
نحن أمامَ إصدارٍ جديرٍ بالاطلاعِ والتبحُّرِ فيه، إصدارٍ يتضمّنُ ثماني عَشْرةَ مناظرةً موثّقةً في القسمِ الثاني من الكتاب، تُناقشُ الإيمانَ واللّإيمانَ، والدينَ والإرهابَ، والدينَ والعنفَ، والمقدّسَ والمدنَّسَ، والطاهرَ والنجسَ، والذميّةَ وطهارةَ ونجاسةَ البشر، والنقدَ الذاتيَ لرجالِ الدين، ونقدَ مبدأِ التقليدِ، والفتاوى وضَرورياتِها، والطائفيةَ والمواطنةَ، والأوقافَ والفدرلةَ، والعِصمةَ والمعصومَ، والمرأةَ وموقعَها الإنسانيَ والمجتمعيَ وأطروحةَ نُقصانِ عقلِها ودينِها، والرِّدَّةَ والمرتَدَّ، وعلمَ الغيبِ وغيرَها من الموضوعاتِ الإنسانيةِ غيرِ ذاتِ دلالةٍ .. لامست جميعُها الخصوصيةَ الدينيةَ الشيعيةَ حينًا والخصوصيةَ العراقيةَ أحيانًا.
في إطارٍ متّصلٍ، خصّص الدكتور شعبان القسمَ الأوَّلَ، الذي لم يتجاوز ربعَ عددِ صفحاتِ الكتابِ، للإطارِ المنهجيِ والمفاهيميِّ، ناهيك عن حيثياتِ المناظراتِ ومحتواها، وطروحاتِ الحداثةِ والتقليدِ، والوعيِ بالتاريخِ والاجتهادِ بالإسلامِ وصولا إلى جوهرِ النقاشاتِ التي تدرُسُ الإسلامَ والحداثةَ، والدينيَ والعِلمانيَ، وفكرةَ الدولةِ الإسلاميةِ ومسائلَ الفكرِ الدينيِ والإصلاح.
نحنُ إذًا، أمامَ كتابٍ موسوعيٍ، حاولَ المفكّرُ العراقيُ الدكتور عبد الحسين شعبان من خلالِه إرساءَ منطلقاتٍ جديدةً وعميقةَ التأثيرِ في حياةِ المجتمعاتِ وتطوُّرِها. فقد قاربَ المسألةَ الدينيةَ بأدواتٍ فلسفيةٍ واجتماعيةٍ وحقوقية، ما أثار لديَ أكثرَ من سؤالٍ حول دَورِ ومسؤوليةِ المتفقّهينَ في الدينِ ممّن يَرَونَ مسؤوليةَ انحدارِ وتدهورِ الدينِ بواسطةِ من يُسَمَونَ رجالَ دين، وتكتسبُ هذه المقاربةُ أهميةً خاصّةً كونَها تنطلقُ من داخلِ مجتمعِ الخِطابِ الديني.
في الواقع، أرى أنّنا أمامَ بدايةٍ يُبنى عليها، وتكمُنُ أهميَّتُها في مواصلةِ النقاشِ حولَها، وفي رصدِ التراكمِ المعرفيِ الذي سيتأتى عنها.
وهنا تكمُنُ أيضًا أهميةُ هذه المناظراتِ التي أجدُها دعوةً للتفكيرِ والتفكُّرِ، والقراءةِ بعنايةٍ فائقةٍ نتأمّلُ من خلالِها روحَ العصرِ الذي نعيشُ فيهِ بمتغيّراتِهِ الكلّيةِ كما الجزئيةِ وسْطَ أغفالٍ عمديٍ من الفقهاءِ سبقَ أن لاحظهُ وأشارَ إليهِ بعضُ المفكّرينَ الإسلاميينَ ومنهُمُ العلاّمةُ الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
إغفالٍ عن البُعدِ التشريعيِ للمجتمعِ وللأمّةِ في المجالِ السياسيِ، والتنظيميِ، وللعَلاقاتِ الداخليةِ في المجتمعِ، وعَلاقاتِ المجتمعِ المسلمِ مع المجتمعاتِ الأخرى غيرِ المسلمة. منبهينَ إلى أنّ هذه الشريعةَ ليست قوالبَ جامدةً، كما أنها ليست كلُّها احكاماً نهائية.
أُعلن ذلكَ في ظلِ الإشارةِ إلى آلياتِ الاستنباطِ الفقهيِ التقليديةِ التي لا تستجيبُ للمتغيِّراتِ المجتمعية، وأنّ ما يظهرُ من تطوّرٍ في أصولِ الفقهِ لا يُعَدُّ تطوراً صحيحاً، لأنَّ هذا التطوّرَ أدخلَ في علمِ الأصولِ افكاراً وقضايا ليست منهُ ولا تتصلُ بالشريعةِ من قريبٍ ولا بعيد. فتفسيراتُ الشريعةِ يمكن أن تتعارضَ اعتمادًا على من يقومُ بتفسيرِها، أضِف إلى ذلكَ، أنَّ بعضَ ما اعتبرهُ الفقهاءُ أحكاماً شرعيةً إلهيةً، لم تكن كذلك، بل كانت بحَسَبِ فقهاءَ آخرين! تعبيرًا عن تطوّراتٍ آنيةٍ اقتضتها ظروفُ عصورِها، لذلك لا َتُعدُّ أحكاماً أزليةً، بل هيَ أحكامٌ تكيَّفَت مع مرحلتِها التاريخية.
بالرغمِ من كلِّ ما ذُكرَ، ما زلنا نعيشُ بعَلاقاتِنا الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والتجاريةِ والسياسيةِ والقانونيةِ وسِواها، في ظلِ ازمةِ الاغترابِ في الدينِ الإسلاميِ عن قضايا ومسائلِ العصر.
في ظلِ هذا الواقع، تُنشرُ هذه المناظراتُ التي يتمركزُ قُطبُ رَحاها بينَ الفكرِ والواقعِ المُمارَسِ، وتأتي كدعوةٍ للتفكيرِ والتفكّرِ في وضعِ كلِ هذا الإرثِ المتداوَلِ، لتُرفَعَ القداسةُ عمّا يريدُ البعضُ أن يُلزِمَنا بقداسَتِه.
ما أرادَه ربما، المفكّرُ د. عبد الحسين شعبان إيصالَهُ لمن يلتزمونَ بأحكامِ الدينِ، الاطلاعَ والتبحّرَ في جوهرِ الدينِ وكُنهِهِ، وعدمَ القَبولِ باستخدامِ الدينِ من غيرِ مَنطِق. فلا يُمكنُ للفقهِ الإسلاميِ أن يُصلِحَ ويواكبَ، من دونِ البحث ِمن خلال أصولٍ وأدواتٍ جديدةٍ ومباحثَ متطوّرةٍ تواكبُ العصرَ المتسارعَ بأدواتهِ وتِقْنِياتِهِ ومساراتهِ وتطوّراتِه.
يُقاربُ المفكّرُ العراقيُ د. شعبان الدينَ في المعنى والمفهومِ والغايةِ والهدف، من منطلقِ حتميةِ تبديلِ النظرةِ الجامدةِ إلى الأشياء، والكونِ والحياة. ولا ضيرَ في أن تكونَ من منطلقِ المقدّس، ولكن أيِ مقدّس؟ قد لا يختلفُ بعضُنا على أنَّ التحديثَ مطلوبٌ وأساسيّ، ولكن كيفَ تتمُّ مقاربتُه؟ هنا كنهُ الكلام.
تستحضرُني هنا حادثةُ المرجعِ العلاّمة السيد مُحسنِ الحكيم في طهارةِ أهلِ الكتابِ عندما زارَ لندن كمريضٍ للاستشفاء في أحدِ مستشفياتِها، وهناك عاشَ وعايش صعوبةَ تطبيق فتوى نجاسةِ أهلِ الكتاب، فقرّرَ البحثَ والتمحيصَ في هذهِ الفتوى وتوصَّلَ بعدَها إلى إصدارِ فتواهُ الشهيرةِ حينَها، والتي تقضي بطهارةِ أهل الكتاب.
وفي إطارٍ متّصلٍ، أستحضر أيضًا فتوى المرجعِ العلاّمة السيدِ أبو القاسم الخوئي، التي كانت تقضي بضرورةِ الطَّوافِ ما بين الركنِ والمقامِ في حرمِ الكعبة، وعندَما ذهبَ الى الحجِّ اكتشف صعوبةَ ومشقّةَ تحقُّقِ هذا الأمرِ فعمِلَ على البحثِ الذي استتبَعَ إصدارَ فتوىً مغايرةٍ للأولى.
حادثتان تؤكّدان انفصالاً موجودًا بين الأحكامِ الشرعيةِ والواقِع، وكثيرةٌ هي الأمثلةُ الموجودةُ التي تتباينُ بينَ دينِ العقلِ وفقهِ الواقعِ، والتي تنسحبُ على العناوينِ والأبوابِ التي تضمَّنَها هذا الكتابُ كما غيرِها من الأبواب.
وهنا يتبادرُ إلى ذهني أكثرُ من سؤال، كيفَ يُمكنُ أن يكون قَطعٌ مع وصل؟ قطعٌ لأيِ تساوقٍ مع التحديثِ والتجديد، ووصلٌ قسريٌ نعيشُهٌ غدا عابرًا للحدودِ والقارّاتِ والأفكارِ والأجناسِ وما قد يخطُرُ على بال.
نحنُ أمامَ دعوةٍ للتفكيرِ والتفكّرِ، ولنختَر بعدَها ما نُريدُ من إرساءٍ لقيمٍ ومنطلقاتٍ ورفضٍ أو نبذٍ أو إعلاءٍ لأخرى. فالمجالُ واسعٌ ومتشعّبٌ بينَ العلمِ والدينِ، وبينَ فتاوى العباداتِ والمعاملاتِ. لذلك، وجدتُني أمامَ دَفقٍ وتدفقٍ من الأفكارِ والمُعطياتِ التي تحتاجُ إلى قراءةٍ أكثرَ من متأنّيةٍ للغوصِ فيها ولفتحِ النقاشِ حولَها بُغيةَ فتحِ كُوّةٍ فيما ذكرهُ د. شعبان عن “نظريةِ مِنطقةِ الفراغِ التشريعي”.
أمامَ المئاتِ من الأسئلةِ العريضةِ الحائرةِ حتى هذا اليوم، والتي لا تزال تبحثُ عن إجاباتٍ في ظلِ واقعٍ مأزومٍ، أُدركُ أنّ الإجاباتِ لن تأتيَ إلاّ من خلالِ حواراتٍ فكريةٍ عميقةٍ وهادفةٍ ترمي بنواتِجِها على صفحةِ المياهِ الراكدة فاعلةً فِعلَها، بعيدًا عن وسمةِ أو وصمةِ البِدَعِ والضلال.
ولأنّي أوقنُ أنّ لكلٍ منّا فهمُه الخاصُّ لما نقرأُ ونعايش، أجدُني تارةً مشدودةً ومنجذِبَةً إلى مَنطقِ العقلٍ الذي طرحهُ د. شعبان، وطورًا أراني أصُدُّ بعضَها. وقد اختَلِفُ أيضّا مع ما وردَ من منطلقاتٍ ومفاهيمَ ومحدّداتٍ وتفسيراتٍ وسياقات .. ولكن بينَ كلِ هذا وذاكَ أجدُني أتّفقُ على عناوينَ طُرِحَت، وعندما أغوصُ في التفاصيلِ أجد أنَّ شياطيني تسكُنُها على طريقتِها، مرتكزةً على المَقولةِ المعروفة “الشيطانُ يكمُنُ في التفاصيل”. ربما لأنّي نشأتُ وتربيتُ وتأثّرتُ بمسارٍ ما، أطَّرَ عندي كما غيري طرقَ تفكيرٍ ومقاربةٍ للأمور.
قد تكونُ مفاتيحُ البداياتِ كثيرةً، ولكنَ المصطلحاتِ والمقاصدَ التي نردِّدُها من دونِ التبحّرِ في نشأتِها وكيفيةِ ترويجِها، تضعُنا أمامَ أكثرَ من مدلولٍ ومعنىً وتَبِعَةٍ ومفاعيل.
الإشكاليةُ برأيي تكمُن فيمن يدَّعي أنّهُ يمتلكُ بل يحتكرُ الحقيقةَ على حدِ قولِ د. شعبان ولكن أيُ حقيقة. ومعَ ذلك، أعتقدُ أنّنا من دونِ شكٍ بحاجةٍ إلى تقريبٍ وتقاربٍ ليس بينَ المذاهبِ فقط، وإنّما بينَ المشتركاتِ الإنسانيةِ المتمحورةِ حولَ التعايشِ والتفاهمِ والتضامنِ مراعينَ في الوقتِ ذاتهِ التنوّعَ والتفاعلَ الحضاريَ والثقافيَ والدينيَ والإثنيَّ والسلاليَّ واللُّغويَ وما يُمكن إدراجُهُ تحت هذهِ المِظلةِ المنفتحةِ على الفكرِ والعقلِ والجمعِ والوصل.
من هذا المنطلق، لا تتمحورُ برأيي القضايا المطروحةُ حول الالتزامِ بفتوىً هنا، أو رفضٍ أو تجاهُلٍ لفتوى هناك، بل إنَّ الأمرَ مرتبطٌ بنهجٍ ومسارٍ فكريٍ ينعكِسُ على كلِّ نواحي حياتِنا ومنطلقاتِ تفكيرِنا وتصرُّفاتِنا، وعلى مقاربتِنا للأمورِ وإطلاقِ أحكامِنا وتصوّراتِنا.
أعترفُ أمامَكُم، بأنّه يستحيلُ أن تكونَ كلماتي هذهِ قراءةً مكتملةً للكتاب، بل هي محاولةٌ لمقاربةِ هذهِ الموضوعاتِ الهامّةِ بمسؤوليةٍ، بغيةَ خرقِ الجُدُرِ في قضايا الاجتهادِ التي آمُلُ أن تتفتقَ عنها مستوياتٌ جديدةٌ ومأمولةٌ تلحَظُ النقلَ والعقلَ، والمنطقَ والتشريعَ والنقدَ وإطلاقَ الأحكام.
فمتى نشهدُ تغيّرًا في الأحكامِ يتناغمُ مع تغيّراتِ هذا الزمان؟ سؤالٌ يبقى برسمِ الإجابة.