بدأت اليوم جلسات مناقشة التقرير الدوري الرسمي السادس للبنان أمام اللجنة المتابعة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، وكان لبنان قد سبق وقدّم تقريره إلى الأمم المتحدة وضمّنه المبادرات التشريعية والتدابير القضائية والإدارية والاجتماعية والثقافية، وكافة التطورات والتحديات والصعوبات التي طرأت على أوضاع المرأة في لبنان خلال السنوات السابقة.
وقد أعدّت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية هذا التقرير بتكليف من رئاسة مجلس الوزراء وبالشراكة مع كافة الوزارات والمؤسسات والمديريات العامة واللجان النيابية والأحزاب السياسية ومنظّمات المجتمع المدني المعنية.
ونظراً للتدابير الإحترازية للوقاية من تفشي الوباء، تُعقد جلسات المناقشة مع اللجنة المختصة التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن بعد.
وقد استضافت الاسكوا وفد لبنان الذي ترأسته السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة والذي ضمّ ممثلات وممثلين من مختلف الوزارات والادارات الرسمية المعنية وهم: من الهيئة الوطنية لشؤون المرأة السيدة منى الصلح نائبة الرئيسة، والكاتبة العدل رندة عبود أمينة السر، والمحامية غادة حمدان عضو المكتب التنفيذي، والمحامية غادة جنبلاط عضو المكتب التنفيذي، والمحامية مايا زغريني عضو المكتب التنفيذي، والمحامي شوكت حولا عضو الهيئة، والسيدة ميشلين مسعد المديرة التنفيذية، والسيدة جمانة مفرّج مستشارة الهيئة، والسيدة سينتيا شدياق المستشارة القانونية في الهيئة والسيدة ريتا راشد سلامة منسقة تطوير المشاريع في الهيئة، ومن وزارة الدفاع الوطني العقيد مروى سعود والرائد حسن فياض، من وزارة العمل المدير العام بالإنابة السيدة مارلين عطالله والسيدة دنيز دحروج، من وزارة الداخلية والبلديات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المقدم ديالا المهتار والمقدم ربيع الغصيني، من وزارة الداخلية والبلديات المديرية العامة للأمن العام المقدم طلال يوسف والرائد نسرين شديد، من وزارة العدل القاضي أيمن أحمد والقاضية أنجيلا داغر، من وزارة الشؤون الاجتماعية السيدة فرناند أبي حيدر، من وزارة الصحّة العامة السيدة باميلا زغيب، من وزارة التربية والتعليم العالي السيدة جمانة الحلبي، من وزارة الاقتصاد والتجارة السيدة سارة صيداني ، من وزارة الخارجية والمغتربين السكرتير رنا الخوري، من وزارة الزراعة السيدة رولا العشي. وشارك في الجلسة من جنيف مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية السفير سليم بدورة وفريق عمل البعثة.
وألقت السيدة عون كلمة افتتاحية قالت فيها: ” نلتقي اليوم لمناقشة التقرير السادس الذي قدّمته الدولة اللبنانية حول تطبيقها لأحكام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. وتأتي هذه المناقشة في مرحلة يواجه فيها لبنان انهياراً اقتصادياً ومالياً ونقدياً، في أزمة وُصفت بأنّها من أسوأ ما شهدته الدول في التاريخ المعاصر، أدّت إلى هبوط القيمة الشرائية للعملة الوطنية بأكثر من 90% ووقوع حوالي نصف الشعب اللبناني تحت مستويات الفقر. هذا الانهيار، تزامن مع تداعيات انتشار وباء كوفيد-19، ولا يمكننا هنا ألّا نستذكر إنفجار مرفأ بيروت في شهر آب ٢٠٢٠ الذي أحدث صدمة على صعيد الوطن، وخسر من جرائه العديد من اللبنانيين واللبنانيات أحباءهم وممتلكاتهم ومورد رزقهم، ولا يزال الجرحى لغاية اليوم يعانون من تداعياته.
في خضمّ كلّ تلك المعطيات المأساوية واستعصاء التوصل لغاية اليوم الى حلول جذرية تعالج عمق الأزمة، وفي ظلّ الضيقة الاجتماعية والمعيشية المتمثلة بصعوبة شراء الدواء والمواد الغذائية والوقود بسبب ارتفاع أسعارها، وبالانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، لا زالت مؤسسات الدولة ومنها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة تكافح للاستمرار في القيام بمهامها.
في ظلّ هذه الظروف الصعبة، تعمل الدولة اللبنانية حالياً على التحضير للانتخابات البرلمانية التي يفترض أن تتم في 15 أيار المقبل وأن يجري من خلالها، انتخاب 128 عضواً في المجلس النيابي. وفي هذا الإطار تسعى الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية جاهدةً، مع شركائها في المجتمع المدني الى زيادة التمثيل النسائي في البرلمان الذي لا تزيد نسبته الحالية عن 4،7 بالمئة. لهذه الغاية، سعت الهيئة الوطنية مع شركائها في المجتمع المدني بمساعدة لجنة المرأة والطفل في المجلس النيابي، إلى إدخال تعديل على قانون الانتخابات النيابية لتضمينه كوتا نسائية، يتمّ من خلالها تخصيص مقاعد نيابية للنساء من كافة الدوائر الانتخابية ومن كافة الطوائف الدينية”.
وأضافت: ” ومع أن معظم الكتل النيابية أعلنت عن تأييدها للكوتا النسائية، ومع أن البعض منها أعدّ من جهته صيغاً أخرى لإدخال الكوتا إلى القانون، لم يقتصر الأمر على عدم اعتماد الكوتا النسائية، بل لم يقدم البرلمانيون حتى على مناقشة اقتراحات القوانين، ومن بينها الاقتراح الذي أعدته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بتعديل مادة واحدة من القانون الحالي، لضمان مقاعد محجوزة سلفاً للنساء تتنافس فيما بينها على قاعدة الأكثري من دون أن تهدّد مصالح الأحزاب المسيطرة على الحكم. وفي ظلّ عدم اعتماد تدابير تحفيزية لرفع نسبة مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، نظمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة لقاءً جمع بين ممثلين وممثلات عن كل من التيارات والأحزاب السياسية اللبنانية، بهدف رصد الأسباب التي حالت دون التزام رؤساء الأحزاب بوعودهم، وبهدف تحفيز النساء على المبادرة للترشّح عن أحزابهنّ في الانتخابات القادمة. بالتوازي، نظّمت الهيئة الوطنية ثلاث ورش عمل مع ممثلي وممثلات وسائل الإعلام كي تقوم هذه الوسائل الاعلامية بدورها البنّاء في موضوع مشاركة النساء في الحياة السياسية، من دون أن يكنّ عرضةً لأي عنف سياسي أو معنوي أو لفظي ولحملها على تأمين تغطية عادلة للنساء المرشحات وعرض برامجهنّ الانتخابية إسوةً بالمرشحين الرجال. وسوف تستمر الهيئة الوطنية في المضي قدماً في إعطاء هذا الموضوع أولوية حتى بعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، ليقينها أن من شأن اعتماد كوتا نسائية مرحلياً في قانون الانتخابات، أن يساهم في تطوير الثقافة السياسية الذكورية السائدة في لبنان التي تحصر أدوار تمثيل الجماعة واتخاذ القرارات باسمها، بالرجال دون النساء. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أعدت نصّاً قانونياً لاعتماد الكوتا النسائية في الانتخابات المقبلة للمجالس البلدية، كما سبق أن أعدّت نصاً تشريعياً لمشاركة النساء بنسبة الثلث في مجالس إدارة الشركات المساهمة، تمّ اقتراحه في البرلمان كما بدأت مناقشته في لجنة المرأة والطفل النيابية.
في السياق نفسه نشير إلى أن وزير الثقافة طلب مؤخراً من كافة النقابات المرتبطة بوزارة الثقافة تعديل أنظمتها الأساسية والداخلية، بإضافة مادة تنصّ على تحديد كوتا نسائية تحددها كل نقابة تضمن مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات في مجلس النقابة. وبالنسبةِ إلى تعزيز موقع النساء في المجتمع نودّ الإشارة إلى النجاح الذي لاقاه مشروع نفذَّتْه الهيئة خلال العام الماضي بدعمٍ من الحكومة الألمانية لتعزيز موقع النساء العضوات في المجالس البلدية. في إطار هذا المشروعِ، استفادت 14 سيدةً من البلديات من مختلف المناطق اللبنانية من متابعة سِلسِلَةٍ من الدوراتِ التثقيفيَّة حصلن خلالها على مساعدةٍ شخصيةٍ وفّرتها لهنَّ 14 سيدةً رائدةً ناجحةً في مجالات العمل. وبعدَ متابعة دورةٍ تدريبية حول تصميم المشروعِ وتنفيذه، قامت 13 سيدةً منهنَّ بإنجاز 13 مشروعاً في بلداتهنّ تمحورت حول الدعم النفسي الاجتماعيِ. وفي إطار المشروع نفسه، تمّ تنفيذ برنامج آخر تناول مشاركة النساء والرجال في 12 بلدية في تصميم مشاريع إنمائية صغيرة وتنفيذها. وتضمّن هذا المشروع في مرحلة أُخرى، استحداث شبكة تواصُل نسائية للسيدات في البلدات بغية تبادُل المعلوماتِ والخُبرات. وقد رمى إلى تمكين النساءِ العضوات في المجالس البلدية من تعزيز موقعهنَّ في إدارةِ شؤون البلدة وفي إقامة علاقات تعاونٍ مع زملائهنّ الرجال وفي توسيعِ نطاق شبكة علاقتهنَّ الاجتماعية. ونعمل على تعميم هذا المشروع على أكبر عدد ممكن من البلديات في لبنان”.
وتابعت السيّدة عون: ” خلال الفترة الأخيرة وأمام التحديات القائمة، عمدت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إلى تركيز عملها على: بناء قدرات ضابطات وضباط الارتكاز الجندري في الوزارات والإدارات العامة من خلال تنظيم ورش عمل دوريّة حول إدماج مفهوم النوع الاجتماعي في السياسات وخطط العمل داخل مؤسسات الدولة، وحشد التأييد النيابي في عدّة مواضيع إصلاحيّة تُعنى بالمرأة والدفع باتجاه الإقدام على تلك الإصلاحات، منها موضوع زواج القاصرات كما في مواضيع الأحوال الشخصية وقوانين الجنسية والعنف الأسري… ونشر الوعي المجتمعي على منطق العدالة الجندريّة ومبدأ المساواة من خلال ورش العمل والمحاضرات والحملات الإعلامية التي تنظمها. كان بارزاً في الآونة الأخيرة، على صعيد دمج قضايا النوع الاجتماعي في المؤسسات، التقدم الملحوظ الذي تمّ في المؤسسة العسكري، حيث تمّ لأول مرة إنشاء قسم النوع الاجتماعي في الجيش اللبناني. وتجدر الإشارة إلى ان زيادة ملحوظة سجلت منذ عام في انتساب النساء إلى صفوف الجيش. وقد أعلن مؤخراً أنه سوف يتمّ هذا العام تخرّج 51 ضابطة من أصل 110 طالباً من الكلية الحربية، وسوف يرتفع عددهنّ إلى 55 من أصل 108 طلاّب في العام 2023، علماً أنه من المتوقع أن يلتحق عدد منهنّ بالقوات البحرية والجوية. وتدخل هذه الزيادة في الانتساب النسائي في الجيش ضمن النتائج التي رسمتها الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن، والتي حددت قطاعي الأمن والدفاع كأحد المستويات التي ينبغي رفع مشاركة النساء في صنع القرار فيها. وتتناول المبادرات التي يتمّ اعتمادها في قطاعي الأمن والدفاع لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي، موضوع إدارة وأمن الحدود. واعتماد هذه المقاربة في إدارة الحدود، شكلّت مؤخراً موضوع جولة دراسية قام بها وفد عسكري وأمني لبناني إلى الأردن، بغية الاطلاع على الممارسات الناجحة التي اعتمدتها القوات الأمنية والعسكرية الأردنية في هذا المجال. ومتابعة لتنسيق العمل بالخطة الوطنية لتطبيق القرار 1325، قامت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، خلال العام 2021 بعقد أكثر من 10 اجتماعات للجان التنسيقية ولمجموعات العمل الخاصة بتنفيذ التدخلات المنصوص عليها في الخطة الوطنية، والتي تضمّ ممثلين وممثلات عن كافة الإدارات الحكومية المعنية كما عن المنظمات غير الحكومية وعن المنظمات الدولية الناشطة في المجالات التي تتناولها التدخلات. وقبل نهاية العام 2021، شارك رئيس الحكومة وعدد من الوزراء المعنيين في اجتماع اللجنة التسييرية المشرفة على تنفيذ الخطة الوطنية، لتقييم ما تمّ تنفيذه في المرحلة السابقة ورسم توجهات العمل التي اعتمدت للعامين المقبلين، إذ قررت اللجنة التسييرية تمديد مدة تنفيذ الخطة إلى نهاية العام 2023، نظراً للتحديات الثقافية والصحية والمالية التي نواجهها. وهنا نشير إلى أن 39 % من التدخلات المنصوص عليها في الخطة تمّ إنجازها، 51% هي قيد التنفيذ، و 10% هي معلّقة بسبب الظروف الراهنة، مثلاً تلك التي تتعلق بالحصول على القروض المصرفية. وخلال الأشهر الأخيرة، تناولت اللقاءات التنسيقية التي دعت إليها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والتي تمّت في إطار تنفيذ المبادرات التي اعتمدتها مجموعات العمل المنبثقة عن اللجان التنسيقية لتنفيذ الخطة الوطنية للقرار 1325، مواضيع اعتماد إجراءات تشغيلية موحدة في مكافحة الإتجار بالبشر، ومكافحة ظاهرة تزويج الفتيات وتسربهنّ من الدراسة، وتعرضهنّ للعنف، ومكافحة انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، وإعداد نموذج لعقد موحّد ينظم عمل العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية. وتخطط الهيئة لعقد لقاءات في وقت قريب ترمي إلى إيجاد سبل تنمية قطاع خدمة رعاية الأطفال بغية التخفيف من أعباء الرعاية الأسرية التي تقوم بها عادة النساء وإتاحة المجال أمامهنّ للمشاركة بنسب أكبر في النشاط الاقتصادي. وفي هذا الإطار، تمّ إعداد تقرير يتضمن تحليلاً شاملاً للقوانين والتشريعات والسياسات التي قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على المشاركة الاقتصادية للمرأة في لبنان”.
وأشارت إلى أن: ” الهيئة الوطنية تأمل في مجال الإصلاح التشريعي، أن تنتج الانتخابات النيابية المقبلة مجموعة من السيدات والسادة النواب المناصرين لقضايا حقوق المرأة، وأن يقدموا على إصلاحات تشريعية باتت ملحّة، أهمها الاعتراف الحقيقي والناجز بمواطنة المرأة الكاملة، من خلال رفع التحفظات على المادة التاسعة من اتفاقية سيداو، ومنحها حقوق متساوية مع الرجل في الجنسية. إن هذا الموضوع يستوجب رفع مستوى الوعي عند المجتمع اللبناني: أولاً، لأنه مرتبط بشكل عميق بالثقافة الذكورية الراسخة والموروثة لدى الرجال والنساء من عقود غابرة، هذه الثقافة التي لا تنظر للمرأة ككائن كامل ومستقل، بل إنها تصل إلى تجريدها من هويتها عند زواجها. ثانياً، لأنه يتمّ ربطه بشكلٍ ظالم بوجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان، ممّا ولّد المخاوف والهواجس عند بعض فئات المجتمع من الخلل في التوازن الطائفي، إذا أعطيت المرأة هذا الحق، على الرغم من أن التمييز اللاحق بالمرأة اللبنانية في نيل حقوقها، ومنها حقها في نقل جنسيتها إلى أولادها يعود إلى العام 1926 بعد إنشاء لبنان الكبير، أي قبل وجود اللجوء والنزوح. ولهذه الغاية، أعدت الهيئة الوطنية دراسة قانونية بعنوان “جنسيّة مش تجنيس”، عرضت فيها أسباب وآثار عدم منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها، واستجمعت الأرقام والإحصاءات المتوفرة لدى الوزارات والجهات المعنية، وأصدرت توصيات، تمّ على أثرها بناء خطّة بمقاربة جديدة لمناصرة حقّ المرأة بإعطاء جنسيتها لأولادها. سوف تطلق هذه الدراسة في وقت قريب، وستواكبها حملة إعلانية تمّ إنتاجها لرفع الوعي المجتمعي وكسب التأييد لدى النواب في البرلمان المقبل. ونـأمل أيضاً أن يكون البرلمان الجديد أقل تقيداً بالتفسيرات الفضفاضة التي سادت بشكل عام بالنسبة إلى المادة التاسعة من الدستور، التي تتعلق بحرية الاعتقاد واحترام جميع الأديان والمذاهب وتضمن احترام أنظمة الأحوال الشخصية والمصالح الدينية على ألا يكون هناك إخلال “بالنظام العام”. ونأمل أيضاً أن يوافقها البرلمان الجديد في اعتبارها أن منع تزويج القاصر أو القاصرة يحتمه الحفاظ على النظام العام نظراً إلى الانعكاسات الاجتماعية السلبية التي ينطوي عليها زواج القاصرين. وفي السياق نفسه نأمل أن يكون البرلمان الجديد أكثر انفتاحاً على القبول باعتماد قانون مدني للأحوال الشخصية يكون للمواطنين وللمواطنات حرية اعتماده بدلاً من القوانين الطائفية والمذهبية المعمول بها حالياً. وتجدر الإشارة، إلى أن اللجنة المختصة في الهيئة تعكف حالياً على إعداد نص مدني لتنظيم مواضيع الأحوال الشخصية بشكل يتأمن معه احترام حقوق الانسان ومبدأ المساواة بين الجنسين. وعلى صعيد تطبيق القوانين وبنوع خاص قانون تجريم التحرش الجنسي، نعمل حالياًّ على إعداد سياسات داخلية نموذجي للشركات يتضمّن آلية ترمي، في حال حصول تحرش جنسي في العمل، إلى ضمان تحرك الإدارة ومعاقبة المرتكب. في الاطار ذاته يتمّ إعداد خطط عمل بالتعاون مع الأجهزة المختصة بالوظيفة العامة بغية اعتماد سياسات داخلية لملاحقة حالات التحرش التي قد تحصل في القطاع العام. وبغية تفعيل معالجة قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، عمدت الهيئة بالتعاون مع شركائها إلى إعداد معجم باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية للمصطلحات والمفردات المتعلقة بهذا النوع من العنف بغية مساعدة المتدخلين على المستويات كافة على استخدام مفاهيم موحّدة في مكافحته ومعالجة حالات وقوعه. كذلك أعدت دراسة حول المعايير الفضلى لإنشاء وإدارة مراكز الإيواء المخصصة للناجيات في وزارة الشؤون الاجتماعية، وسوف يتمّ وضع التوصيات التي خلصت إليها هذه الدراسة موضع التنفيذ”.
وقالت: “وبعد أن أعدت الهيئة مع المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأميركية نصاً قانونياً تمّ تقديمه باقتراح قانون إلى المجلس النيابي لرفع مدة إجازة الأمومة إلى 15 أسبوع بدلاً من عشرة أسابيع ولاستحداث إجازة أبوية بمناسبة الولادة وإجازة مرضية لصغار الأولاد يستفيد منها الوالد كما الوالدة ولضمان المساواة في الأجر للعامل والعاملة، تستمرّ الهيئة في القيام بمهام التنسيق لتنفيذ برنامج متكامل يرمي إلى رفع مساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية، هو برنامج تمكين المرأة في المشرق التي تتعاون من خلاله الوزارات والإدارات الرسمية مع البنك الدولي. وبهدف تزويد المشرعين بالبيانات الداعية لإجراء الإصلاحات التشريعية في ما يختصّ بقضايا المرأة، تتعاون الوزارات المعنية في عملية إنشاء “المرصد الوطني اللبناني للمساواة بين الجنسين” الذي تستضيفه وتترأس لجنته التوجيهية الهيئة الوطنية لشؤون المرأة منذ ربيع العام 2021. ويتمّ تنفيذ هذ المشروع حالياً بتمويل من الإتحاد الأوروبي الذي بادر إلى إطلاقه في العام 2018 برعاية مكتب وزير الدولة لشؤون المرأة الذي كان قائماً حينذاك. ويقوم عمل المرصد بشكل رئيسي على جمع البيانات وإنتاج المعلومات والتوصيات المبنية على الأدلة لوضعها بتصرف صانعي القرار بغية اعتماد التشريعات الملائمة وتضمين البعد الجندري في الخطط التي سوف تعتمدها الحكومة للاستجابة إلى التحديات الناشئة بسبب الأزمات الحالية. ويتم حالياً رسم خطة عمل المرصد انطلاقاً من تقرير أولي يتمّ اعتماده لتقييم الاحتياجات. وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية سوف تجهد لتأمين ديمومة عمل المرصد بعد انتهاء مرحلة تأسيسه.
على صعيد التوعية الاجتماعية وعلى الرغم من انشغال الرأي العام بشكل أساسي بأولويات القضايا المعيشية، تابعنا مساعينا مع وسائل الإعلام لجعلها أكثر استجابة لقضايا النوع الاجتماعي. وكان ملفتاً في هذا الموضوع بروز اهتمام متزايد لدى وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع بقضايا المرأة وزيادة في عدد المقابلات التي أجريت مع ناشطات نسائيات. وتمّ التركيز بنوع خاص على موضوع المشاركة النسائية في السياسة واعتماد مبدأ الكوتا النسائية في قانون الانتخابات النيابية. وتمَّ التركيزُ أيضا على موضوع التحرش الجنسي وعلى صعيد آخر، تمت تغطية موضوع تدخل الهيئات المعنية بالمرأة لإيجاد الحلول للصعوبات التي تواجهها العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد. وفي موضوع مكافحة العنف ضد النساء، كان ملفتاً بنوع خاص نجاح حملتين إعلاميتين تعاونت في إنجازهما المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بدعم من GIZ، وتمّ من خلالها إنتاج فيلمين قصيرين تناولا التوعية على ضرورة الإبلاغ عند حصول حالة ابتزاز إلكتروني أو حالة تحرش جنسي واشتملا على تعريف الضحايا إلى حقوقهنّ عبر تبسيط شرح حقوقهنّ في القانون اللبناني مع الإشارة إلى أن الفيلم الأول حاز في كانون الأول الماضي على جائزة المؤتمر 45 لقادة الشرطة والأمن العرب لأفضل فيلم توعوي في مجال مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وبالنسبةِ إلى تعزيز موقع النساء في المجتمع نودّ الإشارة إلى النجاح الذي لاقاه مشروع نفذَّتْه الهيئة خلال العام الماضي بدعمٍ من الحكومة الألمانية لتعزيز موقع النساء العضوات في المجالس البلدية. في إطار هذا المشروعِ، استفادت 14 سيدةً من البلديات من مختلف المناطق اللبنانية من متابعة سِلسِلَةٍ من الدوراتِ التثقيفيَّة حصلن خلالها على مساعدةٍ شخصيةٍ وفّرتها لهنَّ 14 سيدةً رائدةً ناجحةً في مجالات العمل. وبعدَ متابعة دورةٍ تدريبية حول تصميم المشروعِ وتنفيذه، قامت 13 سيدةً منهنَّ بإنجاز 13 مشروعاً في بلداتهنّ تمحورت حول الدعم النفسي الاجتماعيِ. وفي إطار المشروع نفسه تمّ تنفيذ برنامج آخر تناول مشاركة النساء والرجال في 12 بلدية في تصميم مشاريع إنمائية صغيرة وتنفيذها.
وتضمّن هذا المشروع في مرحلة أُخرى، استحداث شبكة تواصُل نسائية للسيدات في البلدات بغية تبادُل المعلوماتِ والخُبرات. وقد رمى هذا المشروع إلى تمكين النساءِ العضوات في المجالس البلدية من تعزيز موقعهنَّ في إدارةِ شؤون البلدة وفي إقامة علاقات تعاونٍ مع زملائهنّ الرجال وفي توسيعِ نطاق شبكة علاقتهنَّ الاجتماعية. إن لبنان كان ولا يزال وسيبقى متمسّكاً بدوره في محيطه وفي العالم وهو مصممّ على المضي في تعزيز أوضاع المرأة ولو عاكسته الظروف السياسية والاقتصادية أحياناً، فلبنان بجميع مؤسساته ملتزم بتاريخه كعضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة يعمل بمواثيقها وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والدولة ملتزمة باحترام أحكام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة علماً أن الحركة النسائية في لبنان المتمثلة في القطاع العام بالآلية الوطنية وفي القطاع المدني بالجمعيات النسائية الناشطة، تدرك أن الاعتراف بحقوق النساء يبقى منقوصاً لا يكتمل إلا برفع التحفظات الموضوعة على الاتفاقية، وهي تسعى إلى ذلك عبر العمل على تطوير التشريعات وعلى إحداث تغيير في الذهنيات لدى صنّاع القرار كما لدى الرأي العام. وهي لهذه الغاية عازمة على رسم استراتيجية جديدة لقضايا المرأة للأعوام المقبلة ولغاية العام 2030 الذي تنتهي معه مدة الأجندة الدولية للتنمية المستدامة، تحت عنوان “استراتيجية المساواة بين الجنسين”. وفي ظل الوضع الحالي السائد في لبنان وتقدّم أولوية القضايا المعيشية على أية أولوية أخرى لدى المواطنين كما لدى المسؤولين الحكوميين، بات من الصعب جداًّ فصل الخطاب المتعلق بحقوق المرأة والمطالبة بمساواتها بحقوق الرجل، عن الخطاب المتعلّق بالسبل الكفيلة بتأمين الشروط المعيشية الضرورية للمرأة كما للرجل. لذا، بات الخطاب المتعلّق بشؤون المرأة مرتبطاً أكثر من أي وقت مضى، بالبعد التنموي، وبات يستدعي إجراء إعادة نظر بشأن طبيعة وصلاحيات الآلية الوطنية المعتمدة اليوم لقضايا المرأة إذ تتضح يوماً بعد يوم، الحاجة إلى توسيع نطاق هذه الصلاحيات لتشمل توفير الخدمات التي من شأنها مساعدة النساء على تخطي الصعوبات التي تواجههنّ في مجالات مختلفة. كما أصبح هناك حاجة إلى توسيع المهام التنفيذية لهذه الآلية لتمكينها من اتخاذ القرارات النافذة لتطبيق السياسات التي تقترحها. ولا يخفى، في الظروف الاقتصادية الحالية، وفي ظل تحمل البلد لعبء استضافة عدد من النازحين واللاجئين يقارب ثلث عدد سكانه، أن تحقيق أي نجاح بشأن تعزيز أوضاع النساء يتوقف إلى حدّ كبير، على الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي للهيئات الحكومية كما المدنية والذي يساهم باستدامة عملها”.
وختمت السيّدة عون: “لا بدّ لي أن أعرب عن تقدير لبنان لكلّ دعم ومؤازرة وتعاون لقيه من وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والجهات المانحة الأخرى، ونخصّ بالشكر UN Women و UNFPA و UNICEF و UNESCO والإسكوا التي تستضيف لقاءنا اليوم. كذلك أشكر جميع الأشخاص الذين واكبوا التحضير لجلسة المناقشة هذه من الوفد اللبناني. ويشارك معنا اليوم ممثلين وممثلات عن مختلف الوزارات والادارات الرسمية وهي، وزارة الدفاع الوطني، وزارة الداخلية والبلديات من خلال المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام، وزارة الخارجية والمغتربين، وزارة العدل، وزارة العمل، وزارة التربية والتعليم العالي، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الصحة العامة، وزارة الزاراعة، وزارة الإقتصاد والتجارة إلى جانب فريق من الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية. كما ينضمّ إلى الوفد الرسمي من جنيف مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية السفير سليم بدورة وفريق عمل البعثة. وإليكم نتوجّه حضرة الرئيسة، وحضرات أعضاء اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة بخالص الشكر للاهتمام الذي تولونه لمناصرة قضايا المرأة في لبنان ونأمل أن تتيح لنا الظروف أن نستفيد من الاستخلاصات التي سوف ستتضمنها ملاحظاتكم الختامية، للتوصل إلى تطوير أوضاع النساء في لبنان عملاً باتفاقية سيداو”.