“٢٠٢٢ سنة المخاض الاقتصادي الصعب” بحسب رئيس مجلس إدارة “بيت ميسك”جورج أبو جودة “لكنها سنة الحل الذي سيلوح في الأفق” على حدّ قوله، مؤكداً أن “هناك دمجاً مصرفياً علماً أن هذه الصناعة لم تَعُد مُربِحة”، محمّلاً السياسيين “مسؤولية الانهيار المالي”.
ويقول أبو جوده جرأة قول الحقيقة عند رجل الدولة مقابل شعبوية السياسيين… لو سلكنا طريق الحقيقة بدل استعمال الشعبويّة صباحاً ومساءً، كم كانت حياتنا أسهل ولتمكنّا من اجتياز الأزمات كلّها بأقلّ كلفة.
ويستذكر “عندما أراد الوزير الياس سابا تحسين واردات الموازنة فارتقى وضع ضريبة على بعض المواد غير الضروريّة. قام السياسيون وجرّوا وراءهم الشّعب بمظاهرات صاخبة أجبرت الوزارة على التخلّي عن هذا القرار وكرّت السُبحة حتى يومنا هذا… وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يجرؤ أحد على زيادة تعرفة الكهرباء أو قطع التيار لمن لا يدفع الفاتورة، فوقعت الدولة في خسارة وعجز زاد عن نصف ديون الدولة قرابة ٥٠ مليون دولار تقريباً على مدى ٣٠ سنة”.
ويرى أن “سلسلة الرتب والرواتب لم تُعطِ الموظف حقه خلال ١٠ سنوات من غلاء المعيشة… هذا حق مقدّس ولا تزال النقابات تطالب به”. ويقول: يخاف السياسيون غضب الشارع. فالبلد مفلس، موازناته كلّها سلبيّة بحيث يتعاظم دَينه العام يوماً بعد يوم فيستدين من الشعب عن طريق المصارف، ميزان مدفوعات سلبي وإذا بقي كذلك سينتهي وجود العملة الصّعبة في البلد بغضّ النظر عما يقال عن الموازنات أو الخسائر أو السمسرات وغيرها… وهو كالدّلو الذي تضع فيه أقلّ ما تأخذ فيَنضَب.
ويُضيف: مع كل هذه المؤشّرات يُرضي السياسيّون النقابات بزيادات “فرعونية” بالنسبة الى وضع الماليّة العامّة بدون أن تسأل النقابات عن مصدر تمويل هذه الزيادة، فأعمى السياسيون عيونهم وصَموا آذانهم ومَضوا قدُمأً بهذه السياسات حتى قال أحد الوزراء بعدما وافق على هذه الزيادة “لقد دمّرنا البلد”. حاول حاكم البنك المركزي أن يقسّط هذه الزيادة على مدى خمس سنوات ولم يسمع له أحد. المسؤولية هنا تقع أولاً على السياسيين والنقابات وأخيراً على حاكم مصرف لبنان حتى لو لم يكن له كلمة، وأخيراً على الشعب الذي لم يسأل كيف فجأة أصبحت الدولة في إمكانها دفع مليارين ونصف مليار سنوياً زيادة على الأجور؟ كان الأجدى بالسياسيين والنقابات أن يقولوا الحقيقة، هذه الزيادة من جيوب الشعب أي أنهم يعطون الموظف بجَيب ويأخذوه من الجيب الآخر.
ويتابع: وأخيراً وليس آخراً وهي الطعنة الكبرى عندما قرروا عدم دفع مستحقات الدولة بحجّة أن هذا المال يشترون به الدواء والبنزين والقمح، فلم تدفع الدولة ٨٠٠ مليون دولار للمصارف الأجنبية وأعلنت بذلك إفلاسها، فمُنِع عنها الاستدانة وتكبّدت بعد ذلك ١٦ مليار دولار دعم.
ويُلفت إلى أن “هذه السياسة وهذا الدّعم هو أكبر جريمة في حق الشّعب اللبناني، لا أحد يعلم إن كان في إمكاننا إعادة إحياء البلد بنصف هذا المبلغ. كان أجدر قول الحقيقة، إنّما المسؤوليّة تقع فقط على السّياسيين غير المسؤولين”.
ويعتبر أبو جودة أن “سياسة إقراض الدولة فلسفة لن أدخل فيها اليوم، لأن ذلك يتطلّب مجلّدات عدة، لكن في كل العالم المتحضّر تتمنّى المصارف إقراض دُولهم لأنه يسمّى دين أميري، وهذا صحيح، لكن الفوائد التي تدفعها الدّول أقل من الفوائد للأفراد والشّركات تمكّن من العيش مدة ٣٠ سنة بوضع مقبول… إلى أن بدأ الهدر وبدأت الموازنات السّلبية”.
ويسأل “هل كان على المصارف التوقّف عن إقراض الدولة؟ هل كان على الشعب أن يسأل كيف تُدفع له هذه الفوائد؟ هل كان على السياسيين أن يعرفوا أنه إذا لم يتداركوا هذا الأمر ويبدأوا بالإصلاحات وقول الحقيقة بدون أن يسدّوا آذانهم ويُغمضوا عيونهم ويتّجهوا نحو الشعبويّة، سيصل البلد إلى الانهيار؟ هل كان على حاكم “المركزي” تنبيه السياسيين على هذا الأمر وإبراز ميزان المدفوعات لهم؟ وأخيراً تبيّن له أن هذه الوعود التي أغضقت عليه من المسؤولين بأنهم سيبدأون بالإصلاح ووقف الهدر، لم تكن صادقة. هل كان عليه أن يقول الحقيقة ويَرحل؟ هل كان عليه أن يذهب ضدّ القانون ويتوقّف عن تمويل الدولة؟ هذا ما كنت فعلته لو مهما حصل. ربّما هذا هروب أو جبن، أمّا أن أحَمَّل المسؤوليّة فلن أرضى بذلك أبداً”.
وليس بعيداً، يُلفت أبو جودة إلى أن “التدقيق والمحاسبة هما من صلب العمل العام لا سيما في هذه الظروف، لكن الأهمّ بكثير هو الخروج من هذه الأزمة، وأن أعرف مَن هو المسؤول.. لن أعرف لأن الكلّ مسؤول أو أن أؤمّن البنزين والطّحين والكهرباء وذلك بقول الحقيقة للشعب أنّ المرحلة صعبة على الجميع لكن سيأتي وقت ونخرج من هذه الورطة. وإذا تأكّد للعالم أننا جدّيون وأن الحكومات جدّيّة في إيجاد الحلول وقد قَبِل الشعب بصعوبة الأمر، سنبدأ بالخروج من الأزمة في أقلّ من سنة”.
ويُضيف: لا أقبل بالقول إن لبنان لا يملك موجودات، بعضهم حدّدها بـ٥٠ مليون دولار وهذا مضحك، لأنّ الحكومة أمامها القانون ومجرّد أن توازن في مصاريفها تصبح هذه الموجودات ٥٠٠ مليار، وهذا ما أكّده أيضاً رجل الأعمال كارلوس غصن في أحد مقابلاته… وهنا لا أتكلم عن موجودات البنك المركزي أو الغاز على الساحل اللبناني إلى آخره… لذلك لا أقبل بأن يُحسم من حسابات الشّعب قرشاً واحداً حتى لو تأخّر الدّفع لهم.
وفي المقلب الآخر، يرى أن “هناك دمجاً على مستوى المصارف، علماً أنها لم تعد صناعة مُربحة ولم يعُد في إمكان رئيس مجلس إدارة أن يتناول الغداء أو يمضي موسم الاصطياف أو يصعد في طائرة…”.
ويختم بالإشارة إلى أن “٢٠٢٢ سنة المخاض الاقتصادي الصعب، لكنها سنة الحل الذي سيلوح في الأفق… فلبنان مرتبط ارتباطاً عضوياً بجيو – سياسية محددة، وما سيحصل في فيينا سيظهر صداه في لبنان، وآمل أن يعي السياسيون خطورة هذه اللحظة التاريخية”.